في ديسمبر/ كانون الأول 2022، انتشر Meme” كلنا أسود الأطلس” على “تويتر” “إكس حاليًا”، بصورة مشجع مغربي يحتفل بتأهل منتخبه في كأس العالم بقطر، ليحصد 5 ملايين تفاعل، وفقًا لـ”Morocco World News”، موحدًا العرب تحت راية الفخر. لكن في اليمن، أجج “Meme الجنوبي الخائن” على فيسبوك، بصورة شخص يمزق علم الوحدة، توترات قبلية. كما وثق “Crisis Group 2023”.
الصور أو النصوص الساخرة التي تنتجها وسائل التواصل، والمعروفة بـ”ـ Memes”، تبدو بسيطة، لكنها خطيرة، كما رأينا في المقالة الأولى حول تحول هوياتنا من المجالس إلى الشبكات، وفي الثانية عندما شكلت العواطف هذه الهويات عبر Memes؛ إذ نجد أن الشبكات تحمل في طياتها قوّة مزدوجة.
تقرير “We Are Social 2024” يكشف أن 62% من العرب يتفاعلون مع محتوى عالمي، بينما يركز 55% على المحلي، و70% من التفاعلات الدينية عاطفية.. أفتُصبح الشبكات، بـ Memes الخاصة بها، جسرًا يربط الثقافات المحلية بالعالمية، أم أداة تُعمّق انقسامات القبيلة؟ نستكشف هذا التوتر عبر أمثلة عربية وبيانات كبيرة، لنفهم كيف تعكس Memes هوياتنا وعواطفنا في عصر الرقمنة.
نظرية “الانتشار الثقافي” لروجرز تؤكد أن التكنولوجيا تنقل القيم عبر الحدود، ما يجعل الشبكات جسرًا للثقافة الإسلامية والعربية
الشبكات كجسر ثقافي
الشبكات تربط الثقافات المحلية بالعالمية بقوة.. في السعودية، حصدت أغنية “يا طالع الشجرة” للمغنية الدانا حمد 10 ملايين مشاهدة على تيك توك في 2023، وفقًا لـ”Arab News”، لتصبح رمزًا عالميًّا للثقافة العربية.
هذا مثال على “العولمة الرقمية”، حيث تنتشر الأغاني العربية كـ “على قلبي” لكاظم الساهر في قوائم Spotify العالمية بـ 15 مليون استماع في 2024.
في هذا السياق، يقول محمد إقبال: “إن الأمة التي لا تستطيع أن تجدد نفسها في مواجهة العالم، تُصبح أسيرة ماضيها بدلًا من أن تكون صانعة مستقبلها”، مشيرًا إلى أن الشبكات يمكن أن تكون جسرًا ثقافيًّا إذا استُخدمت للتجديد بدلًا من الجمود.
لكن الشبكات تتجاوز الفن لتعزز الهوية الإسلامية العابرة.. الداعية الشاب فداء الدين جمع 2 مليون متابع على إنستغرام بمحاضراته عن الإسلام، بينما حصدت قناة جاسم سلطان على يوتيوب 5 ملايين مشاهدة في 2024، وفقًا لـ”Social Blade”، ما يعكس مفهوم “الأمة الرقمية” الذي يصف الشبكات كأداة للانتماء الإسلامي العالمي.
حملات التضامن الإسلامية، مثل #فلسطين_حرة (12 مليون تغريدة في 2023)، أو دعم مسلمي ميانمار في 2017 (8 ملايين مشاركة)، حسب”Digital Arabs Report”، تبرز هذا الدور.. تقرير “We Are Social 2024” يظهر أن مقاطع الفيديو الإسلامية على يوتيوب تحصد 60% من مشاهدات العرب العالمية، مقارنة بـ 40% للمحتوى الثقافي العام.
نظرية “الانتشار الثقافي” لروجرز تؤكد أن التكنولوجيا تنقل القيم عبر الحدود، ما يجعل الشبكات جسرًا للثقافة الإسلامية والعربية.
تحليل #فلسطين_حرة في 2023 أظهر أن 70% من التفاعلات كانت عالمية، لكن 20% عكست انقسامات محلية بين فصائل فلسطينية، حسب “Digital Arabs Report”
الشبكات كأداة انقسام
لكن الشبكات قد تعمق الانقسامات، و”Memes” أداة رئيسية في ذلك. في الخليج، عزز Meme “كلنا أسود الأطلس” التضامن العربي في كأس العالم 2022، بـ 5 ملايين تفاعل على “تويتر”، وفقًا لـ”Morocco World News” بصورة مشجع مغربي يرفع العلم مع تعليق “العرب واحد”، تعكس الانتماء الجماعي (نظرية الهوية الاجتماعية لتاجفيل)، معززًا البعد الثقافي بالالتزام الديني (الوحدة الإسلامية).
وبعد التفاعل العالمي/المحلي ربط العرب بالعالم.. Meme (رمضان يجمعنا)، بصورة فانوس وتعليق “من المحيط للخليج” في فبراير/ شباط 2025، حصد 2 مليون مشاهدة على إنستغرام، حسب “Kuwait Times”، معززًا الجماعية الدينية والتفاؤل المستقبلي.
على النقيض، أجج Meme “الشيعة كفار” في العراق 2024، بصورة شخص يحرق رمزًا شيعيًّا، انقسامات مذهبية، بحوالي مليون مشاركة على فيسبوك، وفقًا لـ”Iraqi Media Monitor”. هذا يعكس الهوية الاجتماعية السلبية (نحن ضد هم)، معززًا بعد الانتماء القبلي (السنة/الشيعة) وبعد الفردية (صراع داخلي).
Meme ” الجنوبي الخائن” في اليمن 2022، بصورة علم ممزق، أثار توترات قبلية بـ 2 مليون مشاهدة، حسب “Crisis Group”، معززًا الانقسام المحلي والتشاؤم المستقبلي. الخوارزميات تضخم هذا الاستقطاب، كما في “فقاعات الترشيح” لباريسر، ما يجعل الشبكات أداة ذات حدين.
البيانات الكبيرة تكشف التوتر
البيانات الكبيرة تكشف هذا التوتر بوضوح.. تحليل #فلسطين_حرة في 2023 أظهر أن 70% من التفاعلات كانت عالمية، لكن 20% عكست انقسامات محلية بين فصائل فلسطينية، حسب “Digital Arabs Report”. حملة #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية كشفت هوية إسلامية عالمية (65% غضب ديني)، لكن مصر (70% سياسي) والخليج (85% ديني) أظهرا اختلافات محلية، وفقًا لـ”New Media Academy” . تقرير “We Are Social 2024” يشير إلى أن 75% من التفاعلات الإسلامية تتجاوز الحدود، مقارنة بـ 45% للسياسي.
الشبكات الاجتماعية، بـ Memes الخاصة بها، تظل سلاحًا ذا حدين: فهي إما جسرًا ثقافيًا يمتد من القبيلة إلى العالمية، كما في “كلنا أسود الأطلس”، أو أداة تُكرس الانقسامات المحلية
هناك تحديات، منها تحدي الخصوصية (40% يخشون تسريب بياناتهم) كما في تقرير “DataReportal 2024”. لكن الفرص واعدة: فمثلًا: “مكتبة الشارقة الرقمية رقمنت 20 ألف مخطوطة بحلول 2023، وأرشيف الثورة التونسية حفظ تسجيلات 2011، بينما وثق “مشروع التراث الموسيقي الأردني أغاني البدو.
تحليل “السودان_ينتفض” (2024) أظهر 55% انقسامات قبلية و30% وحدة وطنية، حسب”UNESCO”، ما يعكس التوتر بين الهوية الإسلامية العالمية والمحلية.
الخاتمة
الشبكات الاجتماعية، بـ Memes الخاصة بها، تظل سلاحًا ذا حدين: فهي إما جسرًا ثقافيًا يمتد من القبيلة إلى العالمية، كما في “كلنا أسود الأطلس”، أو أداة تُكرس الانقسامات المحلية، كما رأينا في “الشيعة كفار”.
عبر سلسلتنا، تتبعنا هذا التوتر بدءًا من تحول الهويات إلى الفضاء الرقمي في المقالة الأولى، ثم قوة العواطف في تشكيلها في الثانية، لنصل هنا إلى قدرة Memes على عكس التوازن الهش بين الوحدة والانقسام. لكن السؤال يبقى: كيف نُحول هذه الأداة من مرآة للتوترات إلى منصة للإبداع الثقافي؟
هناك اقتراحات عملية تفتح المجال لذلك، مثل تطوير مناهج تثقيف رقمي تُعلم الشباب تحليل Memes وتأثيرها العاطفي لتعزيز الوعي وتقليل الانقسامات، وإطلاق مبادرات كـ “أرشيف Memes العربية” لرصد التراث الرقمي وفهم أبعاده، إلى جانب دعم الحكومات لمنصات محلية تُوجه العواطف نحو الوحدة الثقافية.
المؤسسات الدينية قادرة على إنتاج Memes تُعمق التضامن الإسلامي، بينما يتعين على الشركات تصميم خوارزميات تُركز على المحتوى الجامع بدلًا من التفرقة.
هذه الخطوات تُمهد للانتقال من مجرد ردود فعل عاطفية إلى إنتاجٍ واعٍ يتحدى الأنماط السائدة، وهو ما نستكشفه في المقالة القادمة “من الأنماط السائدة إلى العالم: المحتوى الواعي يرتقي بالثقافة العربية”، حيث نرصد كيف يمكن للمحتوى المتعمد أن يُحرر التعبير الثقافي من قيود المحلية، ويُطلقه نحو آفاق الإبداع العالمي.