1. الملخص التنفيذي
لم تعد “الحرب على الدولة الإدارية” مجرد خطاب سياسي؛ إنها حملة “تطهير مؤسسي” شاملة ومنهجية تُنفذ بسرعة فائقة. السلاح الأساسي في هذه الحملة هو تفعيل “الجدول ف” (Schedule F)، وهو الأمر التنفيذي الذي جرّد عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين من حمايتهم الوظيفية وأدى بالفعل إلى مغادرة مئات الآلاف منهم.
يتم دعم هذا التطهير القانوني بـ “سلاح ثانوي” هو الإغلاق الحكومي المستمر، الذي يُستخدم “لخنق” الوكالات التي تخدم أجندة “ثقافة العدالة” (مثل برامج SNAP) أو التي تعتبر ضرورية للاستقرار العام (مثل إدارة الطيران الفيدرالية FAA). وفي موازاة ذلك، يوفر البيت الأبيض الغطاء الأيديولوجي لهذه الحملة من خلال إعلانات رسمية تربط صراحة لغة “العدالة الاجتماعية” بـ “الشيوعية”، مما يمنح مبررًا أخلاقيًا لتفكيك البيروقراطية التي يُنظر إليها على أنها معادية.
2. رصد الساحة الأمريكية: تشريح صراع الدولة الإدارية (غوص عميق)
أ. “التطهير الكبير”: سلاح “الجدول ف” (Schedule F)
هذا هو جوهر الصراع على البيروقراطية، وهو التطبيق العملي لـ “مشروع 2025”.
- الآلية: “الجدول ف” هو أمر تنفيذي أعيد إصداره في يناير 2025، ويعمل على إعادة تصنيف عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين (خاصة أصحاب الأدوار السياسية أو السرية) إلى فئة “خدمة مستثناة”.
- الأثر: هذه الخطوة تجردهم من الحماية التقليدية للخدمة المدنية، وتسمح بفصلهم بسهولة بتهمة “عدم الولاء” السياسي، وتعيين بدلاء بناءً على الانتماء السياسي بدلاً من الجدارة.
- التحليل (عدسة الصراع):
- معسكر “الولاء”: يرى هذا الإجراء كضرورة حتمية لـ “المساءلة” وتدمير “الدولة العميقة” التي (في نظره) “أعاقت وقوّضت” الرئاسة السابقة. الهدف هو استبدال البيروقراطية المحايدة بجيش من الموالين الذين “سينفذون سياسات الإدارة بإخلاص”.
- معسكر “العدالة”: يرى “الجدول ف” كهجوم مباشر على الدستور. تصفه النقابات العمالية (مثل NTEU) بأنه “اختبار ولاء سياسي”، وقد أدى إلى رفع دعاوى قضائية متعددة لوقفه.
- النتيجة على الأرض: هذه ليست معركة نظرية. تشير التقارير إلى الإعلان عن تسريح حوالي 300,000 موظف فيدرالي، مع مغادرة ما يقرب من 200,000 بالفعل بحلول أغسطس 2025.
ب. “الخنق المالي”: الإغلاق الحكومي كأداة ضغط
إذا كان “الجدول ف” هو السيف، فإن الإغلاق الحكومي هو “الخنق” المالي.
- الحدث (SNAP): أجبر قاضٍ فيدرالي في رود آيلاند إدارة ترامب (وزارة العدل ووزارة الزراعة) على تمويل برنامج المساعدة الغذائية (SNAP) بالكامل لشهر نوفمبر، موبخًا الحكومة على “تحديها” لأمر سابق.
- الحدث (FAA): أجبر الإغلاق إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) على الإعلان عن “تخفيضات جذرية” في الحركة الجوية التجارية، قد تصل إلى 10% بحلول 14 نوفمبر، مما يهدد بإحداث فوضى عارمة في السفر.
- الدلالة: يُظهر هذان الحدثان كيف يُستخدم الإغلاق (أداة معسكر “الولاء”) كسلاح غير مباشر.
- ضد “العدالة”: يتم تجويع البرامج الاجتماعية (SNAP) التي تخدم قيم “العدالة”، مما يتطلب تدخل “عصبية” أخرى (القضاء) لفرض التمويل.
- ضد “النظام”: يتم تعطيل الخدمات الحيوية (FAA) لإحداث ألم عام، مما يزيد الضغط على الكونغرس ويظهر أن الإدارة مستعدة لتعطيل الاستقرار لفرض أجندتها.
ج. “الغطاء الأيديولوجي”: تأطير العدو البيروقراطي
لتبرير هذا “التطهير” و”الخنق”، يشن البيت الأبيض حربًا ثقافية مباشرة ضد قيم البيروقراطية المستهدفة.
- الحدث: أصدر الرئيس إعلانًا رسميًا بمناسبة “أسبوع مناهضة الشيوعية” (7 نوفمبر).
- لغة الإعلان: الإعلان لا يهاجم الشيوعية التاريخية فحسب، بل يربطها صراحة باللغة الحديثة لمعسكر “العدالة”. ينص الإعلان على أن “أصواتًا جديدة تكرر الآن أكاذيب قديمة، وتغلفها بلغة ‘العدالة الاجتماعية’ و ‘الاشتراكية الديمقراطية’، ومع ذلك تظل رسالتهم كما هي: تخلوا عن حريتكم”.
- الدلالة: هذا عمل بيروقراطي (إعلان رئاسي) يُستخدم لنزع الشرعية عن الأيديولوجية الأساسية (العدالة الاجتماعية) التي يتبناها العديد من الموظفين والوكالات الفيدرالية (مثل برامج DEI)، إنه يوفر الغطاء الأخلاقي لتفكيك هذه الوكالات باعتبارها معاقل لـ “أيديولوجية مدمرة”.
3. رصد الساحات الدولية
الصراع على البيروقراطية الفيدرالية الأمريكية له امتدادات دولية مباشرة، حيث يسعى “مشروع 2025” إلى إعادة تشكيل السياسة الخارجية بشكل جذري.
- الحدث: قدم مشرعون من الحزبين في الكونغرس (بقيادة الديمقراطيين) “قانون تعطيل الشراكات والتكتيكات غير المشروعة” (DISRUPT Act) هذا الأسبوع.
- الهدف: يطالب مشروع القانون بـ “خطة حكومية شاملة” من وكالات بيروقراطية متعددة (وزارات الخارجية، الدفاع، التجارة، الخزانة، والاستخبارات) لمواجهة التعاون المتزايد بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية.
- الدلالة: يمثل هذا محاولة من الكونغرس (كقوة موازية) لفرض “عصبية” مؤسسية على البيروقراطية، وإجبارها على اتباع نهج تقليدي متعدد الأطراف. هذا يتعارض بشكل مباشر مع “عصبية” “الولاء” الشعبوية التي تفضل المواجهات الأحادية (مثل الرسوم الجمركية الجديدة على الصين) وترفض البيروقراطية التقليدية للسياسة الخارجية.
4. أصداء في الإعلام وكتابات الرأي
- منظور “العدالة” (الأكاديمي/المؤسسي): تستضيف الجمعية الأمريكية للإدارة العامة (ASPA) سلسلة ندوات عبر الإنترنت بعنوان “تنفيذ مشروع 2025”. تركز هذه الندوات على “تآكل خطوط التدريب، والذاكرة المؤسسية، وأنظمة التطوير الوظيفي” و”استبدال الخبراء المتخصصين بالمعينين السياسيين”، مما يسلط الضوء على القلق العميق بشأن انهيار “الحكم غير الحزبي”.
- منظور “الولاء” (الرسمي): تبرر الإدارة تفعيل “الجدول ف” من خلال مكتب إدارة شؤون الموظفين (OPM)، بحجة أن القاعدة المقترحة “ستعزز مساءلة الموظفين والاستجابة الديمقراطية للحكومة الأمريكية” وتسمح للوكالات “بإقالة الموظفين بسرعة… الذين يقوضون العملية الديمقراطية عن طريق التخريب المتعمد لتوجيهات الرئيس”.
5. الخلاصة التحليلية لليوم
القانون الخفي الذي يحكم هذه الساحة اليوم هو “قانون التطهير المبرر”. “ثقافة الولاء” لا تكتفي بالاستيلاء على الدولة الإدارية؛ إنها تنفذ عملية إعدام منهجية لها على ثلاث جبهات متزامنة:
- التطهير القانوني (الجدول ف): تغيير القواعد لإقالة “غير الموالين”.
- الخنق المالي (الإغلاق): تجويع الوكالات المقاومة أو غير المرغوب فيها.
- التجريد الأخلاقي (الإعلانات): إعادة تأطير قيم “العدالة الاجتماعية” التي تدافع عنها البيروقراطية باعتبارها “شيوعية” معادية لأمريكا.
لقد تجاوز الصراع مرحلة النقاش النظري حول “نظرية السلطة التنفيذية الموحدة” إلى مرحلة التنفيذ الفعلي والسريع. “عصبية” معسكر “العدالة” (النقابات، القضاء، الأكاديميون) تخوض معركة يائسة، لكن “عصبية” معسكر “الولاء” نجحت بالفعل في تفكيك “الذاكرة المؤسسية” للدولة الفيدرالية من خلال إجبار مئات الآلاف على المغادرة.
6. مصفوفة الرصد اليومية (ساحة البيروقراطية)
| الساحة (Arena) | الحدث الرئيسي (Key Event) | المعسكران (Camps) | التأثير على “العصبية” (Impact on ‘Asabiyyah) | الأهمية الاستراتيجية (Strategic Significance) |
|---|---|---|---|---|
| البيروقراطية (القانون) | التنفيذ المستمر لـ “الجدول ف” (Schedule F) والدعاوى القضائية ضده. | الولاء (الإدارة) ضد العدالة (النقابات) | ↑↑ (الولاء – الإدارة)، ↓ (العدالة – الموظفون) | “التطهير القانوني”: السلاح الأساسي لتفكيك “عصبية” الخدمة المدنية المحايدة واستبدالها بـ “عصبية” الموالين. |
| البيروقراطية (المال) | القضاء يجبر الإدارة على تمويل برامج SNAP المتوقفة بسبب الإغلاق. | العدالة (القضاء) ضد الولاء (الإدارة) | ↑ (العدالة – القضاء)، ↓ (الولاء – الإدارة) | “صراع مؤسسي”: القضاء يتدخل كقوة موازنة لـ “العدالة” لإجبار السلطة التنفيذية (الولاء) على تمويل بيروقراطية الرعاية الاجتماعية. |
| البيروقراطية (العمليات) | الإغلاق الحكومي يجبر إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) على خفض الرحلات الجوية. | الولاء (الإدارة) ضد (النظام العام) | ↑ (الولاء – كأداة ضغط)؛ ↓↓ (النظام العام) | “الخنق التشغيلي”: استخدام الإغلاق كسلاح لإحداث ألم واسع النطاق، مما يثبت استعداد “الولاء” لتعطيل البنية التحتية لفرض إرادته. |
| البيروقراطية (الأيديولوجيا) | البيت الأبيض يصدر إعلان “أسبوع مناهضة الشيوعية” الذي يهاجم “العدالة الاجتماعية”. | الولاء (الإدارة) ضد العدالة (الأيديولوجيا) | ↑ (الولاء – التبرير الأخلاقي)؛ ↓ (العدالة – نزع الشرعية) | “الغطاء الأيديولوجي”: استخدام السلطة البيروقراطية (الإعلانات) لنزع الشرعية عن القيم الأساسية لمعسكر “العدالة” وتبرير تطهيرها. |
7. مؤشر المراقبة المستقبلية
السؤال الاستشرافي: الآن بعد أن أدت “الجدول ف” إلى مغادرة مئات الآلاف من الموظفين ذوي الخبرة، وتسببت في “تآكل الذاكرة المؤسسية”، كيف ستتعامل البيروقراطية “المطهرة” والمكونة حديثًا من “الموالين” مع أزمة تشغيلية كبرى (مثل كارثة طبيعية واسعة النطاق أو أزمة مالية مفاجئة)؟
المؤشر الذي يجب مراقبته: سرعة وكفاءة استجابة الوكالات الفيدرالية (مثل FEMA أو وزارة الخزانة) للأزمة القادمة. هل ستؤدي “عصبية الولاء” الجديدة إلى استجابة سريعة ومنسقة، أم أن فقدان “الخبرة المتخصصة” سيؤدي إلى فشل كارثي في تقديم الخدمات؟