إنهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة لم يكن انتصاراً للديمقراطية، بل كان تجسيداً لـ “المصيدة” التي كنا نحللها. ففي استمرار لرصدنا لآثار “الطوفان الثقافي”، توقعنا أن قيادة الحزب الجمهوري (“المؤسسة”) تجد نفسها في “لعبة” مستحيلة، محاصرة بين خيارين مدمرين: إما “الشلل” التام (وهو ما يريده جناح “ماغا”)، أو “الخيانة العظمى” (في نظر “ماغا”) بالتحالف مع الديمقراطيين.

التطورات الأخيرة تؤكد أن “المؤسسة” اختارت “الخيانة” كخيار وحيد لإنقاذ الدولة، وهذا بدوره أشعل فتيل المرحلة التالية من “الحرب الأهلية” الداخلية.

1. الحدث: “تحالف المؤسسة” يكسر الجمود

كما رصدت التقارير الإخبارية (الجزيرة + وكالات)، تم كسر الجمود في مجلس الشيوخ عبر “تحالف” غير متوقع. لم يأتِ الحل من داخل الحزب الجمهوري، بل عبر تصويت “8 ديمقراطيين على الأقل إلى جانب الجمهوريين” لتمرير مشروع قانون التمويل. الذي أنهى فعلياً الإغلاق الحكومي الأمريكي.

هذا يؤكد تحليلنا لـ “نظرية الألعاب”: “اللاعب 2” (المؤسسة الجمهورية بقيادة جون ثون) قرر أن “الخسارة” الناتجة عن استمرار الفوضى (شلل المطارات وإلغاء آلاف الرحلات) أصبحت أكبر من “خسارة” التحالف المؤقت مع “اللاعب 1” (الديمقراطيون).

2. الثمن المدفوع: تأكيد “المصيدة”

هذا التحالف لم يأتِ مجاناً. الثمن الذي دفعه الجمهوريون يؤكد أنهم كانوا في “مصيدة”.

  • التنازل: اضطرت قيادة الجمهوريين إلى تقديم “تعهد بطرح ملف تمويل قانون الرعاية الصحية (أوباما كير) للتصويت عليه في ديسمبر”.
  • الدلالة: هذا هو بالضبط التنازل الأيديولوجي الذي كان “جناح ماغا” يرفضه رفضاً قاطعاً، والذي بنى عليه “جناح المؤسسة” رفضه الأولي. اضطرار “المؤسسة” لتقديم هذا التنازل للديمقراطيين هو “دليل الخيانة” الذي كان “جناح ماغا” ينتظره.
  • بهذا، تحوّل الإغلاق الحكومي الأمريكي إلى ساحة اختبار للولاء داخل الحزب الجمهوري، وليس مجرد أزمة تمويل مؤقتة.

3. رد الفعل الفوري: “الطوفان” يبدأ “الانتقام”

كما توقعنا تماماً، فإن إنهاء بهذا، تحوّل الإغلاق الحكومي الأمريكي إلى ساحة اختبار للولاء داخل الحزب الجمهوري، وليس مجرد أزمة تمويل مؤقتة. بهذه الطريقة لم يكن “نهاية” الأزمة، بل كان “بداية” المعركة الحقيقية.

  • الرصد: أفادت تقارير إعلامية (مثل “بوليتيكو” و”ذا هيل”) أن النائبة مارجوري تايلور غرين أعلنت فوراً عزمها المضي قدماً في تفعيل اقتراح الإقالة” (Motion to Vacate) ضد رئيس مجلس النواب مايك جونسون.
  • التحليل: هذا هو “الانتقام” الحتمي. إن “جناح ماغا” (اللاعب 3) يستخدم الآن هذا “التحالف” كدليل قاطع على أن قيادة الحزب الجمهوري (جونسون وثون) هي جزء من “الحزب الموحد” (Uniparty) و”المستنقع” الفاسد.
  • الربط: هذا يؤكد ما رصده مقال مجلة “تايم” سابقاً، وهو أن غرين كانت “شوكة في خاصرة الحزب”، وأن “اقتراح الإقالة” كان هو “السلاح” الذي تستخدمه لشل قيادتها.

الخلاصة: انتصار “سردية ماغا”

ما شهدناه للتو هو انتصار استراتيجي هائل لـ “جناح ماغا”. لقد نجحوا في استخدام الإغلاق الحكومي الأمريكي (السلاح) لإجبار “المؤسسة” على الاختيار بين أمرين:

  1. شلل الدولة (وهو ما يثبت فشل المؤسسة).
  2. التحالف مع العدو (وهو ما يثبت خيانة المؤسسة).

لقد اختارت “المؤسسة” الخيار الثاني لإنقاذ الدولة، لكنها بذلك “انتحرت” سياسياً في نظر قاعدتها. “الطوفان الثقافي” نجح في تفكيك شرعية خصمه الداخلي، والمرحلة القادمة ستكون “تطهيراً” داخلياً عنيفاً لتحديد من سيقود الحزب الجمهوري.

ولمزيد من التحليل حول الخلفيات الفكرية والسياسية لهذه الأزمة، يمكنك قراءة مقالنا: كيف كشف الإغلاق الحكومي عن حرب أهلية داخل اليمين الأمريكي؟