الجزء الأول: الملخص التنفيذي ولوحة التيارات

“التوليف الفكري في مؤتمر المحافظين الوطنيين (NatCon): بينما يصوغ لاهوتيو الجيل الثاني ‘قومية مسيحية’ موسعة لتوفير غطاء فكري لـ’مشروع 2025’، يسرّع الجيل الثالث من ‘خروجه المحلي’، مما يخلق فجوة استراتيجية عميقة بين طموح النخبة وطاقة القاعدة الشعبية.”

يمثل هذا العنوان التوليفي الديناميكية المركزية التي هيمنت على الأسابيع الثلاثة الماضية. لم يعد الصراع مجرد خلاف تكتيكي، بل تطور إلى انقسام وجودي حول طبيعة وهوية الحركة نفسها. ففي حين انشغلت النخبة الفكرية والسياسية في واشنطن بصياغة إطار لاهوتي جديد للهيمنة على الدولة، كانت القاعدة الشبابية التي تحتاجها هذه النخبة لتنفيذ رؤيتها تواصل انسحابها الصامت نحو بناء مجتمعات بديلة. لقد كشف مؤتمر المحافظين الوطنيين، الذي عُقد في 5 سبتمبر 2025، عن محاولة جريئة لتوحيد أجنحة الحركة خلف رؤية قومية متجددة، لكنه في الوقت نفسه أبرز الهوة المتسعة بين القادة ومن يُفترض أن يقودوهم.   

لوحة التيارات الرئيسية (30 أغسطس – 20 سبتمبر 2025)

التيار الرئيسيالحالة خلال الفترةالمؤشر الجيلي الرئيسي
القومية المسيحية[الحالة: توحيد نخبوي وصقل أيديولوجي]يمثل مؤتمر “NatCon” محاولة محورية من قبل شخصيات الجيل الثاني (آل موهلر) لاستيعاب الطاقة الشعبوية للجيل الأول (دوج ويلسون) وصياغة نسخة من الأيديولوجية أكثر قبولاً فكرياً وسياسياً. الهدف هو إنشاء تحالف “يهودي-مسيحي” يمكن أن يكون المحرك اللاهوتي لمشروع بيروقراطي مثل “مشروع 2025”.
الأصولية الانعزالية[الحالة: تباعد استراتيجي]بينما يصفق قطاع الجيل الأول من هذا التيار لأهداف مؤتمر “NatCon”، يرى قطاع الجيل الثالث فيه الخيانة المطلقة لمبدأ “مملكتي ليست من هذا العالم”. إن تبني النخبة لسياسات السلطة الوطنية يبرر لجيل الشباب قرارهم بالانسحاب إلى “خيار بندكت الإنجيلي”.
اللاهوت النقدي/الإصلاحي[الحالة: إنذار متصاعد]شخصيات مثل ديفيد فرينش وراسل مور لا يرون في توليف “NatCon” اعتدالاً في القومية المسيحية، بل محاولة خطيرة لإضفاء غطاء من الاحترام الفكري على مشروع سلطوي. أصبحت انتقاداتهم أكثر إلحاحاً، حيث يصورون تحالف موهلر-ويلسون على أنه تهديد للديمقراطية الأمريكية والشهادة المسيحية الأصيلة.

أبرز 5 إشارات تم رصدها

  1. حوار موهلر-ويلسون (NatCon): يمثل التحالف الفكري العلني بين مؤسسة الكنيسة المعمدانية الجنوبية (موهلر) وشخصية “باليو-كونفدرالية” مثيرة للجدل (ويلسون) إعادة اصطفاف استراتيجي كبير. إنه يعطي الأولوية للسلطة السياسية على حساب الحدود اللاهوتية والسمعة السابقة، مما يشير إلى أن الحركة مستعدة لعقد تحالفات غير متوقعة لتحقيق أهدافها.   
  2. استراتيجية تحالف “يهودي-مسيحي”: الجهد المتعمد في مؤتمر “NatCon” لإشراك محافظين يهود مثل يورام هازوني وجوش هامر، مع تهميش المسلمين بشكل صريح، يكشف عن استراتيجية محسوبة لتوسيع جاذبية التحالف ودرء اتهامات معاداة السامية. هذا التحول يعيد تعريف “العدو” من العلمانية المجردة إلى تهديد حضاري محدد.   
  3. تأطير فرانكلين غراهام لـ “الحرب الروحية”: التصريحات الأخيرة لغراهام التي تؤطر المعارضة السياسية من منظور معركة كونية وروحية (“نحن لا نصارع لحماً ودماً”) توفر الوقود الشعبي والعاطفي للمشاريع الفكرية الأكثر تعقيداً مثل “NatCon” و”مشروع 2025″. إنه يترجم النظرية النخبوية إلى لغة بسيطة ومحفزة للقاعدة.   
  4. استمرار صمت قادة الجيل الثالث: الإشارة “السلبية” الأكثر دلالة هي غياب أي تأييد بارز من قادة الجيل الثالث لمشروع “NatCon”. هذا الصمت يعزز اتجاه “التمرد الهادئ” الذي تم رصده في أغسطس. يظل تركيزهم على بناء المجتمع المحلي، مما يخلق فراغاً على المستوى الوطني.   
  5. تكثيف نقد ديفيد فرينش: تحليل فرينش للقومية المسيحية باعتبارها نتاج “قلق وجودي” يسعى لفرض هوية دينية معينة على الأمة، يمثل السردية المضادة الأكثر بلاغة من داخل الحركة المحافظة. إنه يحدد خطوط المعركة الفكرية بوضوح.   

إن التقاء هذه الإشارات يرسم صورة واضحة: بينما تبني النخبة المحافظة آلة سياسية وبيروقراطية غير مسبوقة للهيمنة على واشنطن، فإن الجيل الذي من المفترض أن يدير هذه الآلة في المستقبل يغادر ساحة المعركة الوطنية تماماً. مؤتمر “NatCon” لم يكن حواراً بقدر ما كان تتويجاً. إنه يمثل الاستسلام الفكري لـ “المؤسسة” المحافظة من الجيل الثاني (ممثلة في موهلر) للطاقة الشعبوية الخام للقاعدة القومية المسيحية. أدرك قادة مثل موهلر أنهم لا يستطيعون إيقاف هذه الموجة الشعبوية؛ خيارهم الوحيد هو محاولة توجيهها. من خلال مشاركة المنصة مع ويلسون، لم يكن موهلر يناظره؛ بل كان يضفي الشرعية على علامته التجارية من القومية بينما يحاول تهذيب حوافها الأكثر خشونة (على سبيل المثال، بإضافة إطار “يهودي-مسيحي”). هذا التحول يشير إلى موت نموذج “الطريق الثالث” أو “المشاركة المبدئية” الذي دافع عنه شخصيات مثل راسل مور. لقد انهار الوسط. يتجمع الآن القادة الفكريون للحركة حول رؤية قومية بشكل أساسي، بدلاً من رؤية محافظة كلاسيكية، لأمريكا.   

الجزء الثاني: الجدل اللاهوتي المهيمن: تعريف “الدولة المسيحية”

لقد نقل مؤتمر “NatCon” الجدل المركزي من هل يجب على المسيحيين السعي للسلطة السياسية إلى أي نوع من الدولة يجب أن تخلقه هذه السلطة. يكمن التوتر الجوهري بين دولة “تعترف” بتراث مسيحي، ودولة تفرض بنشاط نظاماً اجتماعياً “مبنياً على الكتاب المقدس”.   

موقف موهلر: “تعظيم الالتزامات المسيحية”

يجادل آل موهلر، رئيس المعهد اللاهوتي المعمداني الجنوبي، بضرورة وجود دولة “تعظم” التزاماتها المسيحية وتعترف بـ “مساءلتها اللاهوتية”. هذا موقف دقيق. فهو لا يدعي أن كل مواطن يجب أن يكون مسيحياً، لكنه يصر على أن غير المسيحيين “يجب أن يحترموا” الالتزامات المسيحية التأسيسية للأمة. يوفر هذا إطاراً لمجتمع هرمي بدلاً من مجتمع تعددي. تسمح رؤيته بإدراج “أصحاب الديانات الأخرى مثل اليهودية” الذين يشاركونهم القيم الاجتماعية المحافظة، مما يخلق “محافظة مبدئية مشتركة”. هذه خطوة براغماتية لبناء تحالف أوسع.   

موقف ويلسون: “جمهورية مسيحية”

دوج ويلسون، وهو شخصية أكثر استفزازاً، أقل غموضاً. يصرح بوضوح: “لقد كنا في الواقع جمهورية مسيحية عند التأسيس”. رؤيته إقصائية بشكل صريح. فبينما يرى مساراً للتحالف مع اليهود الأرثوذكس ضد أعداء مشتركين مثل “المواد الإباحية” ، فإنه يجادل بأن “ملايين المسلمين دون أي التزام أو آلية للاندماج هو أمر مختلف”. هذا يضع الإسلام كتهديد وجودي لرؤيته لأمريكا المسيحية.   

التفسير الجيلي للنصوص التأسيسية

إن هذا الانقسام الاستراتيجي ليس مجرد اختلاف في الرأي، بل ينبع من تفسيرات متباينة جذرياً للنصوص الدينية التي تحدد علاقة الكنيسة بالدولة.

الجيل / التيارتفسير رومية 13 (الدولة كسيف الله)تفسير يوحنا 18: 36 (مملكتي ليست من هذا العالم)
الجيل 1 و 2 (القوميون)يُفسر النص كإعطاء تفويض إلهي للدولة ليس فقط للحفاظ على النظام، بل لتكون أداة في يد الله لمعاقبة الشر وفرض الصلاح. استخدام “سيف” الدولة (القانون، القضاء، الشرطة) هو واجب ديني لتحقيق أهداف الله على الأرض.يُفسر على أنه يصف الطبيعة “الروحية” للملكوت، لكنه لا ينفي واجب المؤمنين في التأثير على “ممالك هذا العالم” وإخضاعها لقيم الله. يُنظر إليه على أنه وصف للأصل وليس للمهمة.
الجيل 2 (النقاد)يقبلون بأن الدولة مؤسسة إلهية، لكنهم يحذرون من تحويلها إلى صنم. يرون أن دور الدولة محدود بالحفاظ على العدل العام والحرية الدينية للجميع، وليس فرض عقيدة معينة. استخدام “السيف” يجب أن يكون للدفاع عن المواطنين، لا لإكراه ضمائرهم.يُفهم على أنه تحذير دائم ضد الخلط بين ولاء الكنيسة وولاء الدولة. يرون أن مهمة الكنيسة هي أن تكون “غريبة ونزيلة”، شاهدة للملكوت الآتي، وليس بناء نسخة أرضية منه بالقوة السياسية.
الجيل 3 (المحليون)يميلون إلى تفسير أكثر تقييداً، حيث يرون أن النص يطالب بالطاعة المدنية للسلطات القائمة، لكنه لا يمنح الكنيسة أي تفويض لاستخدام تلك السلطات لتحقيق أغراضها الخاصة. إن اللجوء إلى “سيف قيصر” هو تخلٍ عن الأسلحة الروحية.يُفسر بشكل حرفي على أنه المبدأ المنظم للمشاركة السياسية. أي انخراط مفرط في السياسة الوطنية هو “خيانة” لطبيعة الملكوت الروحية، ويحول الكنيسة إلى مجرد “حزب سياسي آخر”، مما يدمر شهادتها.

إن العبقرية الاستراتيجية لتوليف موهلر-ويلسون تكمن في إعادة تعريفه لـ “العدو”. لم يعد العدو مجرد “العلمانية”، بل أصبح “الإسلام” و”الوثنية الجديدة”. إن إطار “مسيحي مقابل علماني” بحت يمثل تحدياً انتخابياً وديموغرافياً، حيث أن الكتلة “العلمانية” كبيرة ومتنامية. من خلال إشراك المحافظين اليهود، يمكن للحركة أن تدعي أنها “يهودية-مسيحية” ومؤيدة للدين، وليست مجرد مسيحية ضيقة الأفق.

. هذا يوسع الخيمة ويوفر دفاعاً ضد اتهامات التعصب. ومن خلال تحديد تهديد خارجي/داخلي محدد (الإسلام)، يمكنهم توحيد هذا التحالف الجديد والأوسع حول عدو مشترك، وهو تكتيك تعبئة سياسي كلاسيكي. هذا يحول الإطار من “حرب ثقافية” إلى “حرب حضارية”. هذا الإطار يوفر المبرر الأيديولوجي المثالي للعناصر الأكثر إثارة للجدل في “مشروع 2025″، مثل سياسات الهجرة الصارمة والسياسة الخارجية المتشددة. لم يعد الأمر يتعلق بالسياسة؛ بل يتعلق بحماية “الحضارة اليهودية-المسيحية” من تهديد وجودي.   

الجزء الثالث: حركة الشخصيات والمؤسسات الرئيسية

التركيز المؤسسي: “مشروع 2025” كمخطط لـ “الدولة المسيحية”

لا توجد المناقشات النظرية في مؤتمر “NatCon” في فراغ. إنها توفر الأساس الفكري واللاهوتي لـ “مشروع 2025” التابع لمؤسسة التراث. “مشروع 2025” هو “خطة عمل الـ 180 يوماً” العملية لتنفيذ الرؤية التي يعبر عنها موهلر وويلسون. أهدافه — إرساء “تعريف قائم على الكتاب المقدس… للزواج والأسرة”، حظر الإجهاض، تجريم المواد الإباحية، وحذف مصطلحات مثل “الهوية الجندرية” و “التنوع والإنصاف والشمول” من جميع القواعد الفيدرالية — هي ترجمة مباشرة لأجندة “NatCon” إلى إجراءات بيروقراطية. إن خطة المشروع لفصل ما يصل إلى 50,000 موظف مدني واستبدالهم بمعينين موالين تم فحصهم هي الآلية لتحقيق ما يسميه موهلر “المساءلة اللاهوتية” في الدولة.   

تحليل الشخصيات الرئيسية: قطبا الجيل الثاني

يمثل المسار المهني لشخصيات الجيل الثاني الرئيسية الثلاثة — آل موهلر، راسل مور، وديفيد فرينش — ثلاثة مسارات محتملة للمثقفين الإنجيليين المحافظين في هذا العصر الجديد: الاستيعاب، المقاومة الداخلية، أو المنفى. لقد أجبر صعود القومية المسيحية كقوة مهيمنة هؤلاء الرجال، الذين نشأوا في نفس البيئة الفكرية، على اتخاذ خيارات وجودية حددت مواقعهم في المشهد المتغير.

الاستراتيجي (آل موهلر)

يمثل موهلر جناح الجيل الثاني الذي قرر التعامل مع الموجة القومية ومحاولة قيادتها. إن مشاركته في “NatCon” هي مخاطرة محسوبة للحفاظ على الأهمية وتوجيه طاقة الحركة الهائلة نحو ما يراه نهاية أكثر انضباطاً وتأصيلاً لاهوتياً. إنه يعتقد أن الإجماع القديم قد مات ويجب تشكيل إجماع جديد، حتى لو كان ذلك يعني التحالف مع شخصيات مثيرة للجدل. لقد اختار البقاء داخل الخيمة ومحاولة التأثير على مركز القوة الجديد.   

الناقد (راسل مور)

بصفته رئيس تحرير مجلة Christianity Today، يمثل مور جناح الجيل الثاني الذي يشعر بالرعب من هذا الاتجاه. إنه يدعو إلى هوية سياسية تتمحور حول يسوع، وليس حزباً سياسياً. رسالته الأساسية هي أن الهوية الأولى للكنيسة هي “جسد المسيح العالمي”، وليست كأمريكيين، وأن مهمتها هي المشاركة النبوية، وليس الهيمنة السياسية. إنه يرى تحالف “NatCon”/”مشروع 2025” كشكل من أشكال الوثنية التي تستبدل الإنجيل بالسلطة السياسية. لقد اختار البقاء داخل المؤسسة الكنسية لكنه يقاوم الحركة السياسية.   

المنفي (ديفيد فرينش)

الآن في صحيفة نيويورك تايمز، يمثل فرينش المثقف الذي تم دفعه خارج الحركة لكنه يواصل نقده من إطار محافظ. إنه يشخص القومية المسيحية على أنها نتاج “قلق وجودي” وخوف، مجادلاً بأنها خيانة لكل من التعاليم المسيحية حول محبة الأعداء والمبدأ الأمريكي للتعددية. رحلته من   

National Review إلى The Dispatch ثم إلى نيويورك تايمز تعكس المساحة المتقلصة للمحافظين غير القوميين داخل الحركة.

إن هذا التصدع في الطبقة الفكرية للجيل الثاني يمثل نقطة ضعف حرجة للحركة. فبدون طبقة موحدة من المفكرين لنقل قيمها، تخاطر الحركة بأن تصبح جوفاء فكرياً. إن الشعبويين من الجيل الأول (مثل غراهام) والمحليين من الجيل الثالث لا ينتجون جيلاً جديداً من المثقفين العامين على المستوى الوطني. هذا يعني أن الصحة الفكرية طويلة الأمد للحركة تعتمد الآن بشكل شبه كامل على ما إذا كانت مقامرة موهلر لإنشاء توليف جديد ستنجح أم ستفشل.

الجزء الرابع: الانقسامات الداخلية وإعادة الاصطفاف

خط الصدع الرئيسي: “بناة الأمة” مقابل “بناة الفلك”

لقد تطور الصراع إلى ما هو أبعد من النقاش الاستراتيجي حول “من أعلى إلى أسفل” مقابل “من أسفل إلى أعلى” الذي تم تحديده في أغسطس. إنه الآن صراع بين رؤى أخروية وكنيسية مختلفة.   

  • بناة الأمة (الجيل 1 و 2): يعتقد هذا التحالف (غراهام، موهلر، ويلسون، مؤسسة التراث) أن المسرح الرئيسي للعمل المسيحي هو الدولة القومية. هدفهم هو “تلمذة الأمة” وإعادتها إلى علاقة عهدية مع الله. “مشروع 2025” هو خطتهم الإنشائية.   
  • بناة الفلك (الجيل 3): تعتقد هذه المجموعة الناشئة أن الدولة القومية غير قابلة للإصلاح، وأنها “بابل” التي يجب عليهم الانسحاب منها استراتيجياً. هدفهم هو بناء مجتمعات وكنائس ومدارس محلية صامدة — “فلك” — يمكنها النجاة من الطوفان الثقافي القادم. هذا هو “خيار بندكت الإنجيلي” عملياً.   

دراسة حالة مؤسسية: الكنيسة المعمدانية الجنوبية (SBC)

تعتبر الكنيسة المعمدانية الجنوبية صورة مصغرة لهذا الانقسام. فبينما أصبحت قراراتها الرسمية سياسية بشكل متزايد، داعية إلى تعديلات دستورية بشأن الإجهاض ومعارضة حقوق مجتمع الميم، فإن هذا النشاط السياسي من أعلى إلى أسفل تقوده قيادة الجيل الأول والثاني. في الوقت نفسه، تفقد الكنيسة أعضاءً أصغر سناً ينفرون من هذا التسييس. تضاعف القيادة (التي يجسدها موهلر) من تركيزها على السياسة الوطنية بينما تفرغ المقاعد بهدوء أو يتحول تركيزها إلى الاهتمامات المحلية. يمكن رؤية قرارات 2024 التي تدعو إلى النزاهة بين القادة كمحاولة ضعيفة لمعالجة أزمة المصداقية الناجمة عن هذا الانفصال.   

مؤشر التوتر الجيلي

  • مؤسسة التراث / مشروع 2025: 4/10. توتر داخلي منخفض لأنها مجموعة مختارة ذاتياً من “بناة الأمة”. المنشقون قد غادروا بالفعل.
  • الكنيسة المعمدانية الجنوبية: 8/10. توتر عالٍ. القيادة ثابتة في معسكر “بناة الأمة”، لكن جزءاً كبيراً ومتنامياً من أعضائها، خاصة الجيل الثالث، يتجه نحو نموذج “بناة الفلك”، مما يخلق أزمة هيكلية عميقة.
  • Christianity Today: 7/10. توتر عالٍ. تحت قيادة راسل مور، تعمل كمنصة رئيسية للجناح “الناقد”، مما يضعها في معارضة مباشرة للطاقة القومية المهيمنة لقرائها، مما يخلق صراعاً مستمراً على هويتها وبقائها.

إن الفصيلين يعملان وفق جداول زمنية مختلفة تماماً وبتعريفات مختلفة لـ “النصر”، مما يجعل المصالحة شبه مستحيلة. يعرف “بناة الأمة” النصر في دورات سياسية قصيرة المدى: الفوز في الانتخابات القادمة، تمرير قانون، تعيين قاضٍ. أفقهم هو 2-4 سنوات. بينما يعرف “بناة الفلك” النصر بمصطلحات جيلية: نقل الإيمان بنجاح إلى أطفالهم وبناء مؤسسات تدوم 100 عام، بغض النظر عمن هو في البيت الأبيض. هذان الجدولان الزمنيان في صراع مباشر. إن النفعية السياسية المطلوبة لتحقيق نصر انتخابي قصير المدى (مثل التحالفات مع شخصيات معيبة، والخطاب التحريضي) يراها “بناة الفلك” على أنها مساومة طويلة الأمد تفسد الإيمان الذي يحاولون الحفاظ عليه. هذا ليس خلافاً يمكن التغاضي عنه؛ إنه انقسام جوهري. على المدى الطويل، من المرجح أن تنقسم الحركة تماماً إلى نظامين بيئيين منفصلين وغير متفاعلين: آلة سياسية وطنية وشبكة من المجتمعات المحلية المناهضة للثقافة. قد تفوز الآلة السياسية بالانتخابات، لكن لن يكون لديها جيش شعبي للحفاظ عليها.

المؤسسةالموقف الأيديولوجيالمبرر (بناءً على بيانات الفترة)
مؤسسة التراثبناة الأمةهي المؤلف والداعم الرئيسي لـ “مشروع 2025″، وهو المخطط الأكثر تفصيلاً لاستيلاء القوميين المسيحيين على الدولة.
الكنيسة المعمدانية الجنوبيةبناة الأمة (القيادة) / بناة الفلك (القاعدة)القيادة (ممثلة بموهلر) تشارك بنشاط في صياغة الأيديولوجية القومية ، بينما تظهر البيانات الديموغرافية الأوسع نفوراً من هذا التسييس.
Christianity Todayالناقد / المصلحتحت قيادة راسل مور، توفر المنصة الرئيسية لانتقاد القومية المسيحية من منظور إنجيلي محافظ، داعية إلى مهمة نبوية بدلاً من الهيمنة السياسية.
Alliance Defending Freedom (ADF)بناة الأمة (الذراع القانوني)تكتيكاتها القانونية الهجومية تهدف إلى إعادة تشكيل البنية الدستورية للأمة لتتوافق مع رؤية قومية مسيحية، وهي الذراع القانوني العملي لـ “مشروع 2025”.

الجزء الخامس: نظرة استشرافية (2025-2026)

أسئلة للمراقبة المستقبلية

بناءً على التطورات التي تم رصدها، يجب تركيز المراقبة في الأشهر القادمة على الإجابة عن الأسئلة الاستراتيجية التالية:

  • ما هو أول اقتراح سياسي ملموس سيخرج من إطار موهلر-ويلسون؟ هل سيتم تقديمه كمشروع قانون نموذجي في الولايات المحافظة يهدف إلى ترسيخ “المساءلة اللاهوتية” للدولة؟
  • هل سيقوم أي من قادة الجيل الثالث البارزين بإدانة “مشروع 2025” علناً؟ إن كسر الصمت من قبل شخصية مؤثرة يمكن أن يحول “التمرد الهادئ” إلى انشقاق مفتوح.
  • كيف ستستجيب المؤسسات المانحة المحافظة الكبرى لهذا الانقسام؟ هل ستبدأ في تحويل الأموال من منظمات الضغط السياسي الوطنية إلى المبادرات المحلية التي يقودها الشباب، مما يعيد تشكيل خريطة القوة المالية؟

عقيدة ناشئة: “الهيمنة البيروقراطية”

تُظهر أحداث هذه الفترة تبلور عقيدة جديدة يمكن تسميتها “الهيمنة البيروقراطية” (Bureaucratic Dominionism). هذه العقيدة تتجاوز مجرد الفوز في الانتخابات؛ إنها فكرة أن الاستيلاء على الدولة الإدارية والسيطرة عليها هو تفويض لاهوتي. لم يعد الهدف هو إقناع الثقافة، بل السيطرة على آلياتها. يمثل “مشروع 2025” التجسيد المثالي لهذه العقيدة. إنه ليس مجرد مجموعة من السياسات، بل هو خطة منهجية لتفكيك “الدولة العميقة” العلمانية واستبدالها ببيروقراطية موالية وملتزمة أيديولوجياً. هذا يحول الصراع من معركة أفكار في الساحة العامة إلى حرب مواقع داخل أروقة الحكومة نفسها.   

الجزء السادس: رصد الشبكات والسرديات

خلال هذه الفترة، أصبح من الواضح أن هناك مسارين متميزين وغير متصلين تقريباً لنشر السرديات داخل الحركة، مما يعكس الانقسام الاستراتيجي العميق.

  • المسار النخبوي (سردية “بناة الأمة”): انتشرت أفكار ومناقشات مؤتمر “NatCon” عبر شبكة مغلقة من وسائل الإعلام الفكرية والمحافظة. بدأ النقاش في المجلات المتخصصة، وتم تحليله في البودكاستات الأكاديمية واللاهوتية، ووصل إلى جمهور من القادة السياسيين والمفكرين. هذا المسار مصمم لصياغة الأيديولوجيا وتوفير الذخيرة الفكرية للنخبة.
  • المسار الشعبي (سردية “بناة الفلك”): في المقابل، يستمر النقاش حول “الخروج المحلي” و “خيار بندكت” في الانتشار عبر قنوات شعبية ولامركزية. ينتشر عبر شبكات مغلقة (مجموعات واتساب وسلاك)، وبودكاستات متخصصة في التعليم المنزلي وبناء الكنائس، وبعيداً عن أعين الإعلام العام. هذا المسار مصمم لبناء المجتمع وتوفير الدعم العملي للقاعدة، وليس للتأثير على السياسة الوطنية.   

إن وجود هذين المسارين المتوازيين يعني أن النخبة والقاعدة تتحدثان لغتين مختلفتين وتعيشان في واقعين إعلاميين مختلفين. النخبة تبني خططاً للهيمنة على واشنطن، بينما القاعدة تبني خططاً للنجاة من واشنطن.

الجزء السابع: التأثير على المشهد السياسي

يمثل هذا الانقسام تأثيراً مزدوجاً ومتناقضاً على المشهد السياسي، خاصة مع اقتراب الانتخابات النصفية لعام 2026.

من ناحية، فإن محاولة النخبة في “NatCon” لصقل وتهذيب “القومية المسيحية” يمكن أن توفر إطاراً أكثر قبولاً للمرشحين الجمهوريين في التيار الرئيسي. بدلاً من استخدام لغة شعبوية خام، يمكنهم الآن تبني لغة “الحضارة اليهودية-المسيحية” و “المساءلة اللاهوتية”، مما قد يجذب ناخبين محافظين كانوا ينفرون من الأشكال الأكثر تطرفاً للقومية.

من ناحية أخرى، فإن “الخروج المحلي” المتسارع للجيل الثالث يمثل خطراً استراتيجياً هائلاً على آلة الحزب الجمهوري الميدانية. هؤلاء الشباب هم الذين كانوا يشكلون تقليدياً جيش المتطوعين الذين يطرقون الأبواب ويجرون المكالمات الهاتفية. إذا انسحبوا من التعبئة السياسية الوطنية للتركيز على مجالس مدارسهم المحلية وكنائسهم، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع حاسم في نسبة مشاركة الإنجيليين في الولايات المتأرجحة، مما يقوض أي مكاسب قد تحققها النخبة على المستوى الخطابي.

الجزء الثامن: التحليل الاقتصادي والموارد

يُحتمل أن يؤدي الانقسام بين “بناة الأمة” و”بناة الفلك” إلى إعادة توجيه كبيرة لتدفقات الأموال داخل الحركة المحافظة، وهي ظاهرة يمكن تسميتها “الانتقال العظيم للثروة”.

تشير الدلائل الأولية إلى أن المانحين المحافظين الكبار، الذين يدركون أن المعارك السياسية قصيرة المدى قد لا تكون كافية، بدأوا في تحويل جزء من أموالهم من منظمات الضغط السياسي التقليدية في واشنطن (التي تركز على الانتخابات والتشريعات) إلى المؤسسات التي تركز على بناء هياكل ثقافية وتعليمية موازية طويلة الأمد. هذا يشمل تمويل المدارس المسيحية الكلاسيكية، والجامعات الجديدة التي تتبنى مناهج محافظة، والمبادرات التي تدعم التعليم المنزلي. هذا التحول في التمويل يعكس إدراكاً متزايداً بأن “حرب المواقع” الثقافية تتطلب بناء مؤسسات دائمة، وليس مجرد الفوز في دورات انتخابية عابرة. إذا استمر هذا الاتجاه، فقد يضعف بشكل كبير الذراع السياسي للحركة على المدى المتوسط، بينما يقوي بشكل هائل ذراعها الثقافي على المدى الطويل.   

الجزء التاسع: التحليل المقارن والنظري

المقارنة التاريخية والعالمية

  • المقارنة التاريخية (حركة الإنجيل الاجتماعي): يمكن مقارنة الجدل الحالي حول “الدولة المسيحية” بحركة “الإنجيل الاجتماعي” في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. كلتا الحركتين حاولتا تطبيق المبادئ المسيحية على المشاكل الوطنية الشاملة. لكن بينما سعت حركة الإنجيل الاجتماعي إلى “تخليص” المجتمع من خلال الإصلاحات التقدمية (مثل مكافحة الفقر وعمالة الأطفال)، تسعى حركة القومية المسيحية اليوم إلى “استعادة” المجتمع من خلال فرض نظام أخلاقي تقليدي. كلاهما يمثل محاولة لـ “تسييس” اللاهوت على نطاق وطني، وإن كان من طرفين متقابلين من الطيف الأيديولوجي.
  • المقارنة العالمية (نموذج أوربان في المجر): توفر استراتيجيات حزب فيديتس بقيادة فيكتور أوربان في المجر أقرب نظير عالمي لـ “مشروع 2025”. استخدم أوربان سلطته السياسية ليس فقط لتمرير قوانين محافظة، بل لإعادة تشكيل البيروقراطية، والسيطرة على القضاء، والاستيلاء على المؤسسات الثقافية والإعلامية، وترسيخ هيمنة حزبه على المدى الطويل. إن تركيز “مشروع 2025” على السيطرة على الدولة الإدارية يعكس بشكل مباشر التكتيكات التي استخدمها أوربان لتحقيق هيمنة بيروقراطية وثقافية، مما يجعله نموذجاً عملياً لما قد تبدو عليه “الهيمنة البيروقراطية” في السياق الأمريكي.   

التحليل النظري الختامي

إن أحداث الأسابيع الثلاثة الماضية تمثل لحظة حرجة في تاريخ الحركة، يمكن فهمها بعمق من خلال الإطار النظري المزدوج.

من منظور نظرية التوازن الثقافي، فإن ما نشهده هو تصعيد كبير لـ “الموجة العاتية” المضادة. لم تعد هذه الموجة تكتفي بمحاولة استعادة التوازن المفقود؛ بل بدأت في محاولة فرض “توازن جديد” بالقوة. إن مشروع “NatCon” الفكري و”مشروع 2025″ البيروقراطي هما محاولة لإعادة تعريف قواعد اللعبة الثقافية والسياسية بشكل دائم، وترسيخ رؤية عالمية محافظة في هياكل السلطة نفسها، بغض النظر عن التحولات الديموغرافية أو الرأي العام.   

ومن منظور نظرية ابن خلدون، فإن هذا التحرك يعكس وصول الحركة إلى طور “المُلك” الكامل. بعد أن بنت “عصبيتها” (التضامن القائم على الهوية الدينية والمظلومية) في السبعينات والثمانينات، ووصلت إلى السلطة والنفوذ، هي الآن تستخدم “سلطان” الدولة (القضاء والبيروقراطية) بشكل مباشر لتحقيق أهدافها. لكن هذا هو الخطر الذي حذر منه ابن خلدون: إن الاعتماد المفرط على “السلطان” يمكن أن يؤدي إلى تآكل “العصبية” الدينية والأخلاقية التي كانت مصدر القوة الأصلي. إن انشقاق الجيل الثالث، الذي نشأ في “ترف” المؤسسات التي بناها أسلافه ولم يعد يمتلك نفس “الخشونة” أو الرغبة في الصدام المباشر، هو العرض الأوضح لبداية “تآكل العصبية”. إن دفع النخبة نحو “الهيمنة البيروقراطية” هو محاولة لترسيخ السلطة في ذروة طور “المُلك”، تماماً كما بدأت العصبية التي تدعم هذا المُلك في التفكك من الداخل.   

باختصار، حركة اليمين الديني هي حركة ذات “عصبية” قوية (ابن خلدون)، تخوض “حرب مواقع” شرسة (غرامشي)، يغذيها “محرك الحداثة” (غيدنز)، وكل ذلك يحدث استجابة لحاجة غريزية لإعادة “التوازن الثقافي”. والسؤال الأكبر الذي تطرحه أحداث هذه الفترة هو: هل ستنجح الحركة في فرض توازن جديد بالقوة قبل أن تستهلك قوانين التآكل الداخلي التي وصفها ابن خلدون عصبيتها بالكامل؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مسار الحركة، والمشهد السياسي الأمريكي، في العقد القادم.

ويبقى الرصد مستمراً…