إن الاجتماع السري الذي عقده وزير الدفاع بيت هيغسيث لم يكن مجرد اجتماع، بل كان إعلان حرب من “الطوفان الثقافي” الشعبوي على آخر وأهم حصون “الدولة العميقة”: المؤسسة العسكرية. لفهم خطورة هذا الحدث، قمنا بتلخيص آراء أهم المجلات والمراكز البحثية التي تمثل “العقل الاستراتيجي” لـ “معسكر الولاء” المؤسسي.

. Foreign Affairs: “تفكيك الإمبراطورية”

كمجلة النخبة الحاكمة، لا ترى “فورين أفيرز” ما حدث كانعزالية، بل تراه “تفكيكاً استراتيجياً” متعمداً للنظام العالمي الذي بنته أمريكا. تحذر مقالاتها، التي يكتبها غالباً مسؤولون سابقون، من أن استراتيجية هيغسيث ستخلق فراغاً هائلاً في أوروبا والشرق الأوسط، وهو فراغ لن تتردد الصين وروسيا في ملئه. من منظورهم، الضرر ليس مؤقتاً، بل هو تدمير دائم لشبكة التحالفات التي هي أساس القوة الأمريكية.

. The National Interest: “أمريكا أولاً، ولكن بغباء”

كمجلة للتيار الواقعي المحافظ، لا تهاجم “ذا ناشونال إنترست” مبدأ “أمريكا أولاً”، بل تهاجم طريقة تطبيقه الغبية. تجادل بأن الانسحاب الفوضوي من العالم لا يجعل أمريكا أقوى، بل يجعلها أضعف وأكثر عزلة. منطقهم هو أن استراتيجية هيغسيث ستجبر حلفاء أمريكا السابقين على البحث عن ضمانات أمنية بديلة، وستدفع خصومها إلى التكتل ضدها. هم يقدمون بديلاً أكثر ذكاءً لـ “أمريكا أولاً”، يقوم على تقاسم الأعباء والانخراط الانتقائي، لا على الانسحاب الكامل.

. CSIS (مركز الدراسات الاستراتيجية): “الخطة غير القابلة للتطبيق”

كأهم مركز أبحاث تقني، يركز CSIS على التداعيات العملية لخطة هيغسيث. تقاريرهم مليئة بالأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها: كيف سيؤثر دمج قيادة أفريقيا وأوروبا على القدرة على مواجهة روسيا والصين في نفس الوقت؟ ما هي التكلفة اللوجستية والاقتصادية الهائلة لسحب مئات الآلاف من الجنود؟ وهل الجيش الأمريكي مدرب أو مجهز أصلاً للقيام بمهام شرطية داخل المدن الأمريكية؟ خلاصتهم هي أن الخطة ليست فقط خطيرة استراتيجياً، بل هي أيضاً مستحيلة عملياً وغير قابلة للتطبيق.

. The Economist: “جنون إمبراطوري”

كممثل لصوت النخبة الليبرالية العالمية، تنظر “ذي إيكونومست” إلى ما يحدث برعب. هي لا تراه كسياسة، بل كـ “نوبة جنون إمبراطوري”. تحذر من أن هذه الخطوة لا تهدد مصالح أمريكا فقط، بل تهدد “النظام العالمي القائم على القواعد” بأكمله. من منظورها، فإن تخلي أمريكا عن دورها كـ”شرطي العالم” سيطلق العنان للفوضى والحروب الإقليمية، ويمثل نهاية العالم كما عرفناه منذ عام 1945.

الخلاصة الجامعة: رغم اختلاف زواياهم، تتفق كل هذه الأصوات المؤسسية على تشخيص واحد: ما يفعله ترامب وهيغسيث ليس مجرد تغيير في الاستراتيجية، بل هو تمرد أيديولوجي من القيادة السياسية الشعبوية ضد المؤسسة العسكرية والأمنية الراسخة. إنها حرب أهلية تدور رحاها داخل أهم حصون الدولة، وستكون تداعياتها كارثية على أمريكا والعالم.

وللمزيد فإن هناك مقالا على الجزيرة نت بهذا الخصوص

https://tinyurl.com/4xewjw73