في الأيام التي تلت الاغتيال الصادم للقيادي الشعبوي تشارلي كيرك، وفي خضم حالة الغضب التي وحدت اليمين الأمريكي ضد “اليسار المتطرف”، انفجرت “قنبلة معلوماتية” جديدة لا تهدف إلى مهاجمة الخصوم، بل إلى اغتيال “الشهيد” نفسه مرة أخرى. بدأت تنتشر على المنصات الإعلامية البديلة تسريبات مزعومة لرسائل بريد إلكتروني بين تشارلي كيرك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي تسريبات، رغم افتقارها لأي دليل موثوق، تكشف عن مرحلة جديدة وأكثر خبثاً في “الطوفان الثقافي”.
الخبر، الذي ينتشر عبر لقطات شاشة مشكوك في صحتها، يدعي وجود علاقة سرية بين كيرك ونتنياهو. وبغض النظر عن صحته (وهو أمر مستبعد جداً)، فإن تحليل الهدف الاستراتيجي من وراء هذه الشائعة هو الأهم. هذه العملية لا تهدف إلى إيصال الحقيقة، بل إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
- تسميم إرث كيرك: كان اغتيال كيرك سيحوله تلقائياً إلى “شهيد مقدس” يوحد كل أجنحة اليمين. هذه التسريبات تهدف إلى إجهاض هذه العملية. فهي تقدم سردية مضادة تقول: “كيرك لم يكن بطلاً وطنياً، بل كان على اتصال باللوبي الصهيوني. هو ليس شهيدنا، بل كان جزءاً من المشكلة”.
- تغذية نظرية “العملية الزائفة”: الأهم من ذلك، أن هذه “الإيميلات” المزعومة تقدم “الدليل” الذي كانت تحتاجه نظرية المؤامرة الأكثر تطرفاً، والتي تدعي أن الموساد هو من دبر الاغتيال. هذه التسريبات توفر “الدافع” لهذه النظرية، وتحولها من مجرد همس إلى “قضية” متكاملة في نظر المؤمنين بها.
الحرب الأهلية الإدراكية
ما تكشفه هذه الظاهرة هو أن “الحرب الأهلية” داخل اليمين، بين الجناح الانعزالي-الشعبوي (بقيادة بانون وفكرياً كارلسون) والجناح المؤسسي-الداعم لإسرائيل، قد وصلت إلى درجة من الشراسة بحيث أن أحد الأطراف أصبح مستعداً لاستخدام مأساة الاغتيال كسلاح لتصفية حساباته مع الطرف الآخر.
إنهم لا يكتفون بمحاربة اليسار، بل أصبحوا يحاربون بعضهم البعض على “جثة” شهيدهم. بدلاً من توجيه كل الغضب نحو القاتل اليساري المزعوم، تعمل هذه الشائعة على إعادة توجيه جزء كبير من هذا الغضب نحو “إسرائيل” و”المؤسسة” كـ”عقل مدبر” حقيقي.
الخلاصة: هذا الخبر هو مثال صارخ على “الحرب الإدراكية” في أقصى مراحلها. إنه يثبت أنه في خضم “الطوفان الثقافي”، لم تعد هناك أي مأساة قادرة على توحيد الصفوف. كل حدث، حتى أكثرها إيلاماً، يتم تحويله فوراً إلى سلاح في حرب أهلية داخلية. إن محاولة “اغتيال” إرث تشارلي كيرك بعد أيام فقط من اغتياله الجسدي، هي دليل على أن الحركة الشعبوية قد دخلت دوامة من البارانويا والتدمير الذاتي، يصعب الخروج منها.