إذا كانت الحركة الشعبوية جيشاً، فإن جون هيغي هو قائده الروحي الذي يبارك أسلحته ويحدد له عدوه المقدس. هو لا يتحدث لغة السياسة أو الاقتصاد، بل يتحدث لغة “النبوءة” و”الإرادة الإلهية”، مما يجعله أحد أقوى الفاعلين في “الطوفان الثقافي”، لأنه يمنح الصراع بعداً مطلقاً لا يقبل الجدال.

1. اللمحة التاريخية والمهنية: بناء “إمبراطورية” الإيمان والسياسة

مسيرة هيغي هي قصة تحويل الكنيسة من مكان للعبادة إلى آلة سياسية جبارة:

  • الكنيسة الضخمة (Megachurch): أسس هيغي كنيسة “كورنرستون” (Cornerstone Church) في تكساس، وحولها من تجمع صغير إلى “كنيسة ضخمة” تضم عشرات الآلاف من الأعضاء، وشبكة بث تلفزيوني وإذاعي تصل إلى ملايين المنازل في أمريكا وحول العالم. هذه هي قاعدة سلطته.
  • المؤسسة السياسية (CUFI): الخطوة الاستراتيجية الأهم في مسيرته كانت تأسيس منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل” (Christians United for Israel – CUFI) عام 2006. هيغي لم يكتفِ بالوعظ، بل قام بـ “مأسسة” عقيدته. تُعتبر CUFI اليوم أكبر منظمة مؤيدة لإسرائيل في أمريكا، وتضم أكثر من 10 ملايين عضو، وتعمل كلوبي ضغط هائل في واشنطن.

2. القدرات الاستراتيجية: “التعبئة اللاهوتية”

قوة هيغي الاستراتيجية لا تكمن في قدرته على التحليل، بل في قدرته على “التعبئة اللاهوتية”:

  1. تحويل السياسة إلى عقيدة: نجح هيغي في إقناع ملايين الإنجيليين بأن دعمهم لدولة إسرائيل الحديثة ليس مجرد “موقف سياسي”، بل هو “واجب ديني” وشرط أساسي لنيل الخلاص. هو يحول الناخبين إلى “جنود في جيش الرب”.
  2. سلطة “النص المقدس”: على عكس بانون أو كارلسون الذين يعتمدون على المنطق أو العاطفة، يستمد هيغي سلطته من “النص المقدس”. هو لا يقول “أنا أعتقد”، بل يقول “الكتاب المقدس يقول”. هذا يمنح حجته قوة مطلقة في نظر أتباعه ويحصنها ضد أي نقد.

3. الخلفية العقدية: “لاهوت نهاية الزمان”

عقيدة هيغي هي “الصهيونية المسيحية” في شكلها الأكثر تشدداً، وهي مبنية على تفسير حرفي للكتاب المقدس يُعرف بـ “التدبيرية” (Dispensationalism).

  • السردية: “التاريخ مقسم إلى مراحل إلهية. نحن نعيش في المرحلة الأخيرة التي تسبق عودة المسيح. تحقيق نبوءات الكتاب المقدس يتطلب عودة كل اليهود إلى أرض الميعاد وإعادة بناء الهيكل. دولة إسرائيل الحديثة هي الأداة الإلهية لتحقيق ذلك. لذلك، فإن أي هجوم على إسرائيل هو هجوم على خطة الله، ودعمها هو مشاركة في تحقيق هذه الخطة”.
  • النتيجة: هذه العقيدة تجعل دعم إسرائيل غير مشروط ومطلق، بغض النظر عن سياساتها أو أفعالها.

4. مفكر أم سياسي أم بوق؟ “الكاهن الأكبر”

جون هيغي ليس مفكراً بالمعنى الأكاديمي، وليس سياسياً يسعى لمنصب. إنه يلعب دوراً فريداً، وهو دور “الكاهن الأكبر” (The High Priest) لـ”معسكر الولاء” المحافظ. أو بالمصطلح الشائع لدينا هو ” المفتي الأكبر “..

  • دوره: هو من يمنح “التفويض الإلهي” للأجندة السياسية. إذا كان ترامب هو “الملك”، فإن هيغي هو “رئيس الكهنة” الذي يمسحه بالزيت المقدس ويمنحه الشرعية السماوية. هو يحول الصراع من معركة سياسية حول المصالح إلى حرب مقدسة بين الخير والشر.

الخلاصة: يمثل جون هيغي “قلب” التحالف بين اليمين الديني واليمين السياسي. هو القوة التي تضمن أن ملايين الناخبين الإنجيليين سيظلون الكتلة الأكثر ولاءً وتصويتاً لصالح الأجندة المحافظة والمؤيدة لإسرائيل. وبينما بدأت “الصحوة” (التي يمثلها آدم فانين) في تحدي عقيدته، لا يزال هيغي هو الصوت الأقوى الذي يحول الإيمان إلى قوة سياسية جبارة في قلب “الطوفان الثقافي”.