مقدمة
في بداية تشرين الأول/أكتوبر 2025، تداولت بعض وسائل الإعلام تسريبات عن مراجعة رقابية داخل وزارة الخارجية الأمريكية تتعلق بكيفية تعامل الإدارة مع «قانون ليهي»، وهو القانون الذي يلزم وزارة الخارجية ووزارة الدفاع بوقف أي دعم للوحدات الأمنية الأجنبية عندما توجد «معلومات موثوقة» عن ارتكابها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مثل القتل خارج نطاق القانون أو الاغتصاب أو التعذيب تنص نسختا القانون الخاصة بوزارتي الخارجية والدفاع على ضرورة اتخاذ خطوات لإصلاح الأوضاع قبل استئناف التمويل.
هذا القانون لا يستهدف دولة بعينها، لكنه أصبح محور سجال داخلي بعدما انتقد خبراء ومنظمات حقوقية فشل الإدارة الأمريكية في تطبيقه على المساعدات المقدمة لإسرائيل. تشير تقارير مراكز بحث إلى أن إسرائيل تُعتبر أكبر متلقٍ تراكمي للمساعدات الأمريكية منذ عقود، ومع ذلك لم تُعلن وزارة الخارجية أي وحدة عسكرية إسرائيلية غير مؤهلة لتلقي المساعدات رغم تراكم مزاعم الانتهاكات.
تشخيص الفشل: نظام رقابي يحتاج إلى إصلاح
ينص «قانون ليهي» على منع الدعم عن الوحدات الأجنبية «عند وجود معلومات موثوقة» عن ارتكابها «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان» كالإعدام خارج القانون أو التعذيب أو الاغتصاب أو الحرمان الصارخ من الحياة والحرية إذا كان الدعم غير قابل لتتبع الوحدة المستفيدة مسبقًا، كما هي الحال في بعض برامج المساعدات لإسرائيل، تُلزم وزارة الخارجية بإرسال قائمة بالوحدات غير المؤهلة إلى حكومة البلد المتلقي والحصول على اتفاق مكتوب يضمن عدم استفادة تلك الوحدات
وفقًا لتقرير صادر عن مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي (GAO)، لدى الولايات المتحدة 22 اتفاقًا من هذا النوع مع دول تتلقى مساعدات غير قابلة للتتبع، من بينها إسرائيل وأوكرانيا ومصر والأردن رغم ذلك، كشف التقرير أن مراجعات الوزارة في تلك الدول أسفرت عن إقصاء 11 وحدة في أوكرانيا وتسع في الأردن وثلاث في مصر، بينما لم يتم إعلان أي وحدة إسرائيلية غير مؤهلة
منظمات حقوقية أشارت إلى محدودية الشفافية؛ فحتى كانون الأول/ديسمبر 2023 لم تنشر وزارة الخارجية سوى أسماء 113 وحدة في جميع أنحاء العالم، وغالبًا لا تشمل هذه القوائم الدول الحليفة الكبرى مثل إسرائيل ومصر والأردن وفي عام 2024 اضطر الضغط الإعلامي والحقوقي الوزارة إلى مراجعة خمس وحدات إسرائيلية، لكنها خلصت إلى أن الوحدات المعنية قد عالجت الانتهاكات وسمحت باستمرار المساعدات.
السلطات الرقابية نفسها اعترفت بوجود فجوات في العملية. ففي أيلول/سبتمبر 2024 أعلن مكتب المفتش العام في وزارة الخارجية عن مراجعة لعمليات التدقيق في الدول التي لديها اتفاقات «مساعدات غير قابلة للتتبع» لضمان التزام الوزارة بالقانون كما أشار تقرير آخر لمكتب المفتش العام في وزارة الدفاع إلى أن الجيش لا يطبق دائمًا متطلبات الرقابة على مخزون الأسلحة المخصص للحلفاء، ومن ضمنهم إسرائيل، ما يعكس قصورًا أوسع في منظومة الرقابة.
النتائج: حرب تصريحات في قلب واشنطن
أصوات تطالب بتطبيق القانون
أثار هذا السجال عاصفة سياسية. التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي طالب بتطبيق القانون بحزم، حيث وجَّه ستة من أعضاء مجلس الشيوخ – بينهم بيرني ساندرز وكريس فان هولن وبيتر ويلش – رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن يطالبون فيها بتوفير قائمة بالوحدات الإسرائيلية غير المؤهلة وإجابات عن كيفية التعامل مع حالات مثل وفاة المواطن الفلسطيني-الأمريكي عمر أسعد وقتله بعد توقيفه على يد جنود إسرائيليين. الرسالة حثت الإدارة على وقف الدعم لأي وحدة متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة حتى اكتمال التحقيقات ومعاقبة المسؤولين
في الوقت ذاته، نشر السيناتور المتقاعد باتريك ليهي – واضع القانون – مقالًا رأى فيه أن عدم تطبيق القانون على إسرائيل «يجعل منه أضحوكة». وأكد أن القانون يحظر المساعدات عندما تتوفر «معلومات موثوقة» عن قتل خارج القانون أو التعذيب، وأنه يسمح باستئناف المساعدات بعد اتخاذ خطوات فعالة لمحاسبة المسؤولين لكنه أشار إلى أن أي وحدة إسرائيلية لم تُحرم من الدعم منذ إقرار القانون، رغم تقارير موثوقة عن انتهاكات
موقف الإدارة الأمريكية
الرد الرسمي ركز على «تعقيدات عملية التدقيق». في بيان أدلى به متحدث باسم وزارة الخارجية بعد إبلاغ إسرائيل أن إحدى وحداتها ارتكبت انتهاكات خطيرة، ذكرت الوزارة أنها حصلت على معلومات إضافية من إسرائيل وأكدت أن تلك الانتهاكات «تمت معالجتها بشكل فعال» وبالتالي يمكن للوحدة الاستمرار في تلقي المساعدات تقرير وكالة أسوشييتد برس نقل عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن إسرائيل أبعدت الجنديين المتهمين من الخدمة، وأجرت تحسينات على إجراءات التدريب والرقابة بوزارة الخارجية شددت في مناسبات أخرى على أنها تأخذ التزاماتها بموجب القانون على محمل الجد، لكنها تعمل في «بيئة أمنية معقدة» وتتعاون مع الحكومة الإسرائيلية لمعالجة الادعاءات.
مؤيدو إسرائيل: شراكة أمنية بلا قيود
من جهة أخرى، حذر اللوبي المؤيد لإسرائيل من استخدام القانون لتقييد المساعدات. ففي شهادة مكتوبة أمام مجلس الشيوخ، دعت لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية (AIPAC) إلى اعتماد كامل المساعدات العسكرية المتفق عليها مع إسرائيل والبالغة 3.3 مليارات دولار سنويًا وفق مذكرة التفاهم لعام 2016، وطالبت أعضاء الكونغرس «برفض إرفاق شروط سياسية بتلك المساعدات» باعتبار أن دعم إسرائيل يعزز الاستقرار الإقليمي ومصالح الولايات المتحدةالمنظمة ترى أن استمرار التمويل غير المشروط ضروري للحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي في مواجهة تهديدات مثل إيران والجماعات المسلحة في غزة ولبنان
أصوات شعبوية يمينية
في المقابل، استغل سياسيون من التيار الشعبوي اليميني الجدل للتشكيك في مبدأ المساعدات الخارجية برمته. ففي جلسة للجنة الرقابة بالكونغرس، وصفت النائبة مارجوري تايلور غرين الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بأنها «منظمة تضع أمريكا في آخر سلم الأولويات»، وانتقدت تمويل برامج ثقافية في الخارج ودعت إلى وقف المساعدات والتركيز على تأمين الحدودوفي تموز/يوليو 2025 قدمت تعديلًا لتقليل 500 مليون دولار من تمويل نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، معتبرة أن إسرائيل دولة مسلحة نوويًا قادرة على الدفاع عن نفسها وأن على الولايات المتحدة تخفيض نفقاتها في ظل دين وطني يبلغ 37 تريليون دولار
المآلات: الشلل الاستراتيجي والعواقب المستقبلية
القضية لن تهدأ قريبًا. قانونيًا، يوفر الجدل مادة غنية للخصوم الذين يسعون إلى تعليق أو تقييد المساعدات غير المشروطة؛ إذ ستشهد الساحة القضائية والبرلمانية معارك لتعزيز شروط حقوق الإنسان على حزم المساعدات المقبلة. يعتمد هؤلاء في حججهم على نص القانون ذاته، وعلى تقارير رسمية مثل تقرير GAO الذي يفيد بأن دولًا أخرى خضعت للعقوبات بينما استثنيت إسرائيل
سياسيًا، يبرز الانقسام بين أجنحة الحزب الديمقراطي، وبين الحزبين، وحتى داخل التيار الجمهوري نفسه، حول كيفية موازنة التزامات أمريكا القانونية والأخلاقية مع تحالفاتها الاستراتيجية. الخطاب الحاد من بعض النواب الجمهوريين المطالبين بوقف شامل للمساعدات الخارجية يضع الإدارة تحت ضغط داخلي مضاعف
دبلوماسيًا، يهدد عدم تطبيق «قانون ليهي» على إسرائيل مصداقية الولايات المتحدة في مطالبة دول أخرى باحترام حقوق الإنسان. الانتقادات التي وجهت لواشنطن بسبب عدم إدراج وحدات إسرائيلية ضمن القوائم السوداء، مقابل إدراج وحدات من دول أقل أهمية إستراتيجية، تعزز الانطباع بأن المعايير مزدوجة.
أخيرًا، تبرز معضلة إستراتيجية تتمثل في التوازن بين «القانون» و«المصلحة». الإدارة الأمريكية مقيدة بين التزامات تشريعية لا يمكن تجاهلها وبين التزام سياسي وأمني عميق تجاه إسرائيل. لذا فإن أي مراجعة لإجراءات التدقيق أو أي تحركات لوقف التمويل ستُقابل بردود فعل حادة، سواء من داعمي إسرائيل أو من المعارضين للمساعدات الخارجية عمومًا. هذه الأزمة تكشف هشاشة البنية الرقابية عندما تصطدم بالقضايا الجيوسياسية، وقد تدفع واشنطن إلى إعادة النظر في كيفية تطبيق قوانينها على حلفائها لضمان مصداقيتها وفاعلية سياستها الخارجية.