الملخص التنفيذي

شهد هذا الأسبوع تحولاً استراتيجياً تمثل في تسخير الإغلاق الحكومي الفيدرالي كأداة هجومية من قبل معسكر “ثقافة الولاء” لتسريع التنفيذ العملي لأجندة “مشروع 2025″، مما أطلق فعلياً حملة “تطهير مؤسسي” ممنهجة للدولة الإدارية تحت غطاء أزمة مالية. وقد أدت هذه الخطوة الفيدرالية إلى تحفيز ردود فعل قانونية مضادة على مستوى الولايات، وتعميق تصدع الإجماع الغربي بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، مما يثبت أن الصراع الأمريكي الداخلي يعيد الآن تشكيل التحالفات والأعراف الدولية بشكل مباشر وفعال.


رصد الساحة الأمريكية

المستوى الفيدرالي: الإغلاق الحكومي كأداة لـ “مشروع 2025” وتصعيد الحرب على الهجرة

لم يعد الإغلاق الحكومي الذي بدأ في الأول من أكتوبر مجرد عَرَضٍ لخلل وظيفي في الحكم، بل تحول إلى أداة استراتيجية متعمدة في يد معسكر “ثقافة الولاء”. إنه ليس فشلاً في التوصل إلى حلول وسط، بل هو تطبيق ناجح لاستراتيجية تهدف إلى تحقيق أهداف أيديولوجية طويلة الأمد، تم تفصيلها بدقة في “مشروع 2025″، دون الحاجة إلى المرور عبر المسارات التشريعية المعقدة والمتنازع عليها. إن هذا الإغلاق هو شكل من أشكال الحرب السياسية التي تُشن بوسائل مالية، حيث يتم استخدام سلطة الخزانة كسلاح لإعادة هندسة الدولة الفيدرالية وفقاً لرؤية أيديولوجية محددة.

إن الآلية التي يعمل بها هذا السلاح واضحة وممنهجة. تُظهر البيانات الصادرة عن متتبع “مشروع 2025” أن الإدارة الحالية قد بدأت أو أنجزت بالفعل ما يقرب من 47% من الأجندة التنظيمية المحلية للمشروع قبل الإغلاق، وأنها تعترف صراحة باستخدام الإغلاق كذريعة لدفع أهدافها المتمثلة في تقليص البرامج الحكومية التي تفيد الملايين من الأمريكيين.1 هذه ليست مصادفة، بل هي تنفيذ لتكتيك “التطهير المؤسسي” من خلال التجويع المالي. فبينما تتوقف أو تتباطأ خدمات الوكالات التي يعتبرها معسكر “الولاء” معاقل لـ “ثقافة العدالة” – مثل وزارة العمل ونظام التحقق الإلكتروني من أهلية العمل (E-Verify) الذي أصبح الآن معطلاً 3 – فإن الأدوات القسرية التي تمثل أولوية قصوى لمعسكر “الولاء” لا تزال تعمل بكامل طاقتها، بل وبقوة معززة.

ويبرز هذا التناقض بشكل صارخ في مجال إنفاذ قوانين الهجرة. ففي حين أن الأنظمة المصممة لتسهيل الهجرة القانونية والتوظيف المشروع قد أصابها الشلل، فإن وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) تواصل عملياتها العدوانية دون أي تأثر. ويعود الفضل في ذلك إلى التمويل الضخم والمستقل البالغ 150 مليار دولار الذي تم تخصيصه بموجب “قانون الفاتورة الكبيرة الجميلة الواحدة”، والذي عزل بشكل استراتيجي ذراع الترحيل في الإدارة عن تقلبات الميزانية السنوية.4 هذا التصميم المالي المتعمد يكشف عن استراتيجية مزدوجة: خنق مسارات الهجرة القانونية التي تقدرها “ثقافة العدالة”، وفي الوقت نفسه، ضخ موارد هائلة في جهاز الاحتجاز والترحيل الذي يشكل حجر الزاوية في أجندة “ثقافة الولاء”. إن إغلاق محاكم الهجرة التي تنظر في قضايا غير المحتجزين يزيد من تفاقم هذا الوضع، حيث إنه يحرر الموارد ويوجهها نحو تسريع عمليات الترحيل الجماعي، وهو الهدف الأسمى للإدارة.4

وبالتوازي مع هذا الهجوم المالي، تتصاعد وتيرة “الحرب القانونية” ضد الولايات والمدن التي توفر ملاذاً للمهاجرين. تواصل وزارة العدل، تحت قيادة المدعية العامة بوندي، حملتها الشرسة ضد هذه “الملاذات الآمنة”، مهددة بإلغاء التمويل الفيدرالي وتوجيه اتهامات جنائية للمسؤولين المحليين الذين يرفضون التعاون الكامل مع السلطات الفيدرالية.6 إن الخطاب الرسمي، الذي يتحدث عن “إغراق المنطقة بعناصر إنفاذ القانون من وكالة ICE” للقبض على “أسوأ الأسوأ”، يعكس عقلية عسكرية تهدف إلى فرض الإرادة الفيدرالية بالقوة.6 وقد أدت هذه الممارسات إلى تآكل الثقة في وزارة العدل، حيث أظهرت دراسة حديثة أن المحاكم بدأت تفقد ثقتها في نزاهة الوزارة، مما يؤكد التحليل الوارد في تقريرنا السابق بتاريخ 3 أكتوبر حول تحول الوزارة إلى أداة سياسية لخدمة السلطة التنفيذية.7 وقد أثارت هذه الإجراءات مقاومة قانونية شرسة من ولايات مثل أوريغون، التي لجأت إلى المحاكم لتحدي ما تعتبره تجاوزاً غير قانوني للسلطة الفيدرالية.9

وبالتالي، لا يمكن النظر إلى الإغلاق الحكومي كحدث محايد يؤثر على جميع الأطراف بالتساوي. بل هو سلاح غير متماثل، تم تصميمه بدقة ليُلحق ضررًا غير متناسب بالقواعد المؤسسية لمعسكر “العدالة” (البرامج الاجتماعية، الوكالات التنظيمية، المؤسسات الأكاديمية) مع تعزيز الأدوات القسرية لمعسكر “الولاء” (إنفاذ قوانين الهجرة، أمن الحدود). لقد أدرك معسكر “الولاء” أن جزءًا كبيرًا من البيروقراطية الفيدرالية يمثل تجسيدًا مؤسسيًا لـ “ثقافة العدالة”، أو ما يسميه “الدولة العميقة”. ومن خلال الإغلاق، تستطيع السلطة التنفيذية أن تجمد تمويل هذه العناصر “المعادية” بشكل انتقائي تحت ستار مواجهة مالية لا يمكن التفاوض بشأنها. وفي الوقت نفسه، فإن التمويل المسبق والهائل لأولويات مثل وكالة ICE يجعلها محصنة ضد هذا الضغط المالي. وبهذه الطريقة، يصبح الإغلاق مناورة استراتيجية لإعادة هندسة الدولة عن طريق الاستنزاف، حيث تتم مكافأة الوكالات “الموالية” ومعاقبة الوكالات “غير الموالية”. وهذا شكل من أشكال “التطهير المؤسسي” أكثر دهاءً وربما أكثر فعالية من المواجهة المباشرة.

علاوة على ذلك، فإن الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن حملة قمع الهجرة – مثل نقص العمالة وتخفيض توقعات النمو الاقتصادي 5 – لا ينبغي اعتبارها آثارًا جانبية غير مقصودة. بل هي تكلفة مقبولة، وربما مرغوبة، من قبل معسكر “الولاء” لتحقيق أهدافه المتمثلة في النقاء الثقافي والديموغرافي. إن الدافع الأساسي لمعسكر “الولاء”، كما يحدده البروتوكول التحليلي، ليس الكفاءة الاقتصادية بل الحفاظ على الهوية الوطنية والأمن. إن سردية “الغزو” على الحدود 5 تعيد تأطير الهجرة كتهديد وجودي، وليس كفرصة اقتصادية. وفي هذا السياق، يُنظر إلى الألم الاقتصادي على أنه تضحية ضرورية في حرب ثقافية أكبر. إن هذه الاستعداد لإخضاع المنطق الاقتصادي للأهداف الثقافية هو مؤشر رئيسي على وجود “عصبية” عالية التعبئة وملتزمة أيديولوجيًا.

مستوى الأحزاب: تآكل الأعراف وتطبيع العنف السياسي

تشير المؤشرات هذا الأسبوع إلى تدهور خطير في “العصبية” الوطنية الأمريكية، حيث يتآكل النسيج الاجتماعي الذي يربط الأمة معًا تحت وطأة الاستقطاب الحاد. لم يعد الخلاف يقتصر على السياسات، بل امتد ليشمل شرعية العملية السياسية نفسها، مع ظهور اتجاه مقلق نحو قبول العنف كأداة مشروعة لتحقيق الأهداف السياسية.

إن البيانات الصادرة عن استطلاع للرأي أجرته شبكة PBS News و NPR ومعهد ماريست هي بمثابة جرس إنذار يصم الآذان. فقد كشف الاستطلاع أن ما يقرب من ثلث الأمريكيين (30%) يعتقدون الآن أنه قد يتعين على الناس اللجوء إلى العنف “لإعادة البلاد إلى مسارها الصحيح”.10 هذا الرقم في حد ذاته صادم، لكن التحليل الأعمق يكشف عن ديناميكية أكثر خطورة: ففي حين أن هذا الاعتقاد قد نما بشكل طفيف بين الجمهوريين والمستقلين، إلا أنه شهد زيادة هائلة بمقدار 16 نقطة مئوية بين الديمقراطيين. هذه القفزة الدراماتيكية تشير إلى أن الإيمان بالعنف كحل سياسي لم يعد حكراً على طرف واحد من الطيف السياسي، بل أصبح ظاهرة تكتسب زخماً على جانبي الانقسام. إن هذا التقارب في وجهات النظر حول العنف يمثل فشلاً كارثياً لـ “العصبية” الموحدة للأمة.

يأتي هذا التحول في الرأي العام في سياق مشحون بأحداث العنف السياسي الحقيقية، وأبرزها اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك الشهر الماضي.10 هذا الحدث لم يعد مجرد مأساة فردية، بل أصبح رمزاً لعصر جديد وخطير، حيث لم تعد الخلافات الأيديولوجية تُحسم في صناديق الاقتراع أو قاعات النقاش، بل من خلال العنف الجسدي. إن وجود سياق واقعي للعنف السياسي يجعل أرقام الاستطلاع أقل تجريدًا وأكثر ارتباطًا بواقع ملموس ومخيف.

في مواجهة هذا المد المتصاعد من التطرف، تبرز أصوات تدعو إلى التهدئة والتعقل، لكنها تبدو كهمس في وسط عاصفة. إن دعوات شخصيات مثل النائب الديمقراطي مايك ليفين من كاليفورنيا للوحدة وخفض حدة الخطاب هي محاولة جديرة بالثناء لإعادة بناء “عصبية” وطنية مشتركة.11 إن مناشدته للناس بأن يروا خصومهم السياسيين “كأمريكيين زملاء” وليس “كأعداء” هي جوهر العقد الاجتماعي الديمقراطي. وبالمثل، فإن البيانات الصادرة عن منظمات غير حزبية مثل “مشروع الأمن الأمريكي”، والتي ترفض العنف السياسي وتدعو إلى الحوار المدني، تمثل موقفًا مبدئيًا مهمًا، لكنها تفتقر إلى القدرة على التعبئة التي تمتلكها القوى الحزبية المتطرفة.12

يقدم الكاتب المحافظ ديفيد فرينش إطارًا فكريًا لفهم هذه الظاهرة. فهو يرى أن “التحزب السلبي” – أي كراهية وخوف الطرف الآخر أكثر من حب ودعم طرفك – هو المحرك الرئيسي لهذا الاستقطاب الخطير.13 هذا الكره، الذي تغذيه “شرانق إعلامية” معزولة، يخلق حالة دائمة من الأزمة المبالغ فيها، حيث يُنظر إلى كل خلاف سياسي على أنه معركة وجودية. إن تحذيره من أن الانفصال أصبح الآن احتمالًا حقيقيًا يلامس مباشرة مفهوم “الصدع التأسيسي الأمريكي” الذي يقترب من نقطة الانهيار.13

لكن المؤشر الأكثر خطورة لا يكمن في الأرقام المطلقة، بل في تماثل التطرف. فبينما كان قبول العنف يُعتبر في السابق سمة مميزة لليمين المتطرف، فإن القفزة الهائلة في تأييده بين الديمقراطيين تشير إلى حلقة مفرغة وخطيرة من ردود الفعل. إن الإجراءات التي يتخذها معسكر “الولاء” في السلطة (كما هو مفصل في القسم الفيدرالي) لا ينظر إليها معسكر “العدالة” كسياسة مشروعة، بل كاستيلاء استبدادي على الحكم. هذا التصور يؤدي إلى الاعتقاد بأن القنوات المؤسسية لمعالجة المظالم قد فشلت أو تم الاستيلاء عليها. وعندما يُنظر إلى المؤسسات على أنها غير شرعية، فإن الوسائل خارج المؤسسات، بما في ذلك العنف، تصبح قابلة للتفكير، ثم مبررة كشكل من أشكال “المقاومة”. وهذا يخلق صورة معكوسة: يبرر معسكر “الولاء” أفعاله بأنها ضرورية لمحاربة “ثقافة العدالة” التي يراها مدمرة للأمة، بينما يبدأ معسكر “العدالة” في تبرير العنف بأنه ضروري لمحاربة “ثقافة الولاء” التي يراها مدمرة للديمقراطية. هذه هي الدوامة المميتة لـ “العصبية” الوطنية.

في هذا السياق، يصبح مفهوم ديفيد فرينش عن “الأغلبية المنهكة” عاملاً حاسماً، ولكنه سلبي.13 إن انسحاب هذه الأغلبية من المشهد السياسي يخلق فراغاً تملؤه الجهات الفاعلة الأكثر تطرفاً على كلا الجانبين. إن “الكارثية” المستمرة للخطاب السياسي تنفر الوسط المعتدل، وهذا التنفير لا يؤدي إلى الاعتدال، بل إلى الانعزال السياسي. ومع صمت الوسط، يهيمن على الساحة السياسية الأصوات الأعلى والأكثر تطرفاً، والتي تحدد بعد ذلك طبيعة الحوار الوطني. وهذا يخلق تصوراً مشوهاً للرأي العام، حيث تبدو الهوامش المتطرفة وكأنها التيار الرئيسي، مما يزيد من تسريع دورة الاستقطاب ويجعل العنف يبدو أكثر قبولاً. وبالتالي، فإن سلبية الأغلبية ليست قوة استقرار، بل هي عامل تمكين للتطرف.

مستوى الولايات: تحصين القلاع الأيديولوجية وتحدي السلطة الفيدرالية

لم تعد الولايات الأمريكية مجرد تقسيمات إدارية، بل أصبحت بشكل متزايد حصوناً أيديولوجية محصنة. فهي تسن تشريعات بشكل فعال لخلق حقائق قانونية واجتماعية متعارضة بشكل مباشر مع بعضها البعض، وفي بعض الحالات، في تحدٍ صريح للحكومة الفيدرالية. هذا هو التجسيد العملي لـ “الصدع التأسيسي الأمريكي”، حيث لم يعد الصراع مجرد نقاش نظري، بل أصبح واقعاً تشريعياً ملموساً.

تُعد كاليفورنيا المثال الأبرز على “حصن العدالة”. فقد وقع الحاكم غافين نيوسوم على حزمة من القوانين المصممة بشكل صريح لمواجهة ما يعتبره تجاوزاً للسلطة الفيدرالية.14 تحظر هذه القوانين على ضباط إنفاذ القانون الفيدراليين، بما في ذلك وكالة ICE، إخفاء هوياتهم، وتقيد وصولهم إلى المدارس والمستشفيات، وتحمي بيانات الطلاب من الوصول إليها دون أمر قضائي. هذه ليست مجرد تعديلات سياسية، بل هي عمل مباشر من أعمال “الحرب القانونية” على مستوى الولاية. إنها تخلق درعاً قانونياً لحماية سكانها من سياسات الحكومة الفيدرالية التي يسيطر عليها معسكر “الولاء”. إن الخطاب المصاحب لهذه القوانين، والذي يتحدث عن حماية المجتمعات من “قوة الشرطة السرية لترامب” و”الغارات غير القانونية”، يعيد صياغة الصراع من خلاف إداري إلى مواجهة وجودية بين الحرية والاستبداد.

على النقيض تماماً، تمثل تكساس “حصن الولاء”. تركز التشريعات الجديدة في الولاية على تعزيز أمن المدارس من خلال زيادة تمويل الإجراءات الأمنية، وفرض الإبلاغ الإلزامي عن التهديدات، وتمكين سلطات إنفاذ القانون.15 وفي حين أن هذه الإجراءات تُقدم في إطار “السلامة المدرسية”، إلا أنها تتماشى تماماً مع تركيز “ثقافة الولاء” على النظام والأمن والنهج العقابي في التعامل مع الانضباط. وهذا يخلق جهاز أمن على مستوى الولاية يعكس أيديولوجيتها المهيمنة، ويتناقض بشكل حاد مع تركيز كاليفورنيا على حماية المواطنين من تجاوزات سلطات إنفاذ القانون.

إن هذه الإجراءات التشريعية المتعارضة تعيد إلى الأذهان الجدل التأسيسي في أمريكا حول حقوق الولايات مقابل السيادة الفيدرالية، وهو الجدل الذي عبر عنه جيمس ماديسون في “الأوراق الفيدرالية”.16 الصراع الحالي هو مظهر حديث لهذا التوتر الذي لم يتم حله قط، ولكنه الآن مشبع بطبقة إضافية من وجهات النظر الثقافية المتجذرة والمتنافرة التي لا تقبل التسوية.

إن النتيجة المباشرة لهذه الإجراءات المتضاربة من قبل ولايات مثل كاليفورنيا وتكساس هي “بلقنة” فعلية للقانون الأمريكي. فالسلطة القانونية لضابط فيدرالي، وخصوصية طالب، وقواعد النظام العام أصبحت تختلف اختلافاً جذرياً اعتماداً على أي جانب من حدود الولاية يقف المرء. هذا يتجاوز مجرد الاختلافات في السياسات؛ إنه يخلق أنظمة قانونية متضاربة. وهذا يؤدي إلى تآكل مبدأ وجود قانون فيدرالي واحد وأسمى (المادة السادسة من الدستور) 16، ويضعف “العصبية” الوطنية عن طريق استبدال إطار قانوني موحد بفسيفساء من الإقطاعيات الأيديولوجية.

لم تعد الولايات مجرد “مختبرات للديمقراطية”، بل أصبحت “مختبرات لحرب الحوكمة”. إنها تبتكر وتختبر الأدوات القانونية والإدارية التي يمكن لمعسكراتها الثقافية استخدامها لمقاومة المعسكر الآخر أو الهيمنة عليه. فالقوانين التي سنتها كاليفورنيا ضد العملاء الفيدراليين 14 تقدم مخططاً قانونياً يمكن أن تتبعه الولايات الأخرى المتحالفة مع “ثقافة العدالة”. وبالمثل، فإن “قانون سيادة تكساس” الذي تم تفعيله سابقاً 8 يقدم نموذجاً للولايات المتحالفة مع “ثقافة الولاء” لإلغاء اللوائح الفيدرالية. هذه الإجراءات ليست معزولة، بل هي تحركات استراتيجية سيتم نسخها وتكييفها وتصعيدها من قبل ولايات أخرى. وهذا يحول العلاقة الفيدرالية-الولائية من علاقة فيدرالية تعاونية إلى علاقة فيدرالية تنافسية، وربما تصادمية، مما يفعل “الصدع التأسيسي” بشكل مباشر وخطير.

“كَهَنة” اليمين الأمريكي: توفير الغطاء اللاهوتي للصراع المؤسسي

في خضم المعارك السياسية والمؤسسية، تلعب الشخصيات القيادية في اليمين الإنجيلي الأمريكي دوراً حاسماً لا يقل أهمية عن دور السياسيين أنفسهم. إنهم “كهنة” الحركة، الذين يوفرون التبرير اللاهوتي والأخلاقي لأجندة معسكر “ثقافة الولاء”، ويحولون الخلافات السياسية إلى معارك روحية، مما يعزز “عصبية” قاعدتهم الشعبية ويجعلها أكثر تماسكاً وتصميماً.

تبرز شخصية ألبرت مولر، رئيس المعهد اللاهوتي المعمداني الجنوبي، كمثال رئيسي على هذه الديناميكية. من خلال برنامجه اليومي “The Briefing”، يقدم مولر تحليلاً للأحداث الجارية من منظور مسيحي محافظ، حيث يتم باستمرار تأطير الاتجاهات العلمانية والمعارضة السياسية كتهديدات مباشرة للعقيدة المسيحية.17 على سبيل المثال، من المرجح أن يفسر مولر الإغلاق الحكومي ليس كخلاف مالي، بل كنتيجة لعدم المسؤولية المالية التي تقودها أجندة علمانية تسعى إلى توسيع الدولة على حساب القيم التقليدية.18 إن قدرته على الإشادة بإجراءات معينة، مثل مشروع قانون كاليفورنيا الذي يستهدف معاداة السامية في المدارس، بينما يهاجم في الوقت نفسه “هجوم اليسار على نموذج التعليم الناجح في ميسيسيبي” 18، تظهر انخراطاً انتقائياً في القضايا. فالأفعال لا تُقيّم بناءً على مبدأ مجرد، بل بناءً على مدى توافقها مع الأهداف الثقافية لمعسكر “الولاء”.

يستند هذا النهج إلى إطار فكري أوسع يرى أن السياسة الإنجيلية قد تحولت إلى صراع بين “أبناء النور وأبناء الظلام”.19 وقد لعب قادة مثل مولر وفرانكلين غراهام دوراً محورياً في ترسيخ هذا الخطاب القائم على المظلومية وشيطنة الخصوم. هذا الخطاب يوفر الوقود العاطفي والروحي اللازم لخوض المعارك السياسية الشرسة التي نشهدها اليوم.

إن حجة مولر بأن المسيحيين لا يمكنهم تجاهل “المحادثة الثقافية” لأن وسائل الإعلام والمؤسسات الأخرى ليست محايدة بل هي أدوات أيديولوجية 20، تعمل كدعوة واضحة للتعبئة. إنها تعيد صياغة المشاركة السياسية والثقافية من كونها خياراً إلى كونها واجباً دينياً للدفاع عن الإيمان ضد ثقافة علمانية معادية. وهذا التكتيك يحشد “العصبية” الدينية بشكل مباشر لخدمة الأهداف السياسية.

إن الوظيفة الأساسية لشخصيات مثل مولر ليست توجيه تكتيكات سياسية محددة، بل العمل كـ “مُصادِقين أيديولوجيين”. إنهم يوفرون إطاراً أخلاقياً متعالياً يبرر التكتيكات السياسية القاسية التي يستخدمها معسكر “الولاء”. فالعمل السياسي، مثل تجميد تمويل وكالة حكومية، يمكن أن يُنظر إليه على أنه استيلاء انتهازي على السلطة. ولكن عندما يقوم عالم لاهوت محترم بتصوير هذه الوكالة على أنها تروج لأيديولوجية “معادية للمسيحية”، فإن هذا العمل يتحول من تكتيك سياسي إلى عمل صالح للدفاع الروحي. هذا يرفع الصراع السياسي إلى مستوى الصراع الكوني، مما يجعل التسوية مستحيلة والالتزام الكامل ضرورة أخلاقية. هذه العملية تدمج “العصبية” السياسية لمعسكر “الولاء” مع “العصبية” الدينية لقاعدته الإنجيلية، مما يخلق قوة سياسية هائلة، عالية الحماس، وغير قابلة للمساومة.

علاوة على ذلك، من خلال تصوير وسائل الإعلام والمؤسسات الأكاديمية على أنها منحازة ومعادية بشكل جوهري (“ليست محايدة”) 20، يقوم “الكهنة” بتحصين أتباعهم بشكل فعال ضد أي معلومات أو حجج تتعارض مع سردية معسكر “الولاء”. يتم تعليم القاعدة أن المصادر الرئيسية غير جديرة بالثقة ومدفوعة أيديولوجياً من قبل “ثقافة العدالة”. وبالتالي، فإن أي تقارير نقدية حول تصرفات جانبهم يتم رفضها بشكل استباقي باعتبارها هجوماً متحيزاً، وليس نقداً مشروعاً. وهذا يخلق حلقة معرفية مغلقة حيث تكون المصادر الموثوقة الوحيدة هي تلك الموجودة داخل الحركة. وهذا يعمق “الشرانق الإعلامية” التي وصفها ديفيد فرينش 13 وهو أمر ضروري للحفاظ على التماسك الداخلي (“العصبية”) للحركة في مواجهة الحقائق أو الانتقادات الخارجية السلبية.


رصد الساحات الدولية

بريطانيا: ترسيخ “الحرب القانونية” ضد الاحتجاج

في المملكة المتحدة، يواصل معسكر “الولاء”، المتمثل في الحكومة الحالية، استخدام سلطته التشريعية بشكل منهجي لتحييد التكتيكات التخريبية التي يفضلها الحركات المنتمية لـ “ثقافة العدالة”. ويُعد “قانون النظام العام لعام 2023” السلاح الرئيسي في هذه “الحرب القانونية” المستمرة، وهو مصمم لرفع تكلفة المعارضة وإعادة تأكيد احتكار الدولة للنظام العام.

يستهدف القانون بشكل مباشر التكتيكات التي أصبحت مرادفة للاحتجاجات البيئية والاجتماعية في السنوات الأخيرة. فقد أنشأ جرائم جنائية جديدة لأفعال مثل “تقييد النفس” (locking-on)، وعرقلة أعمال النقل الكبرى، والتدخل في البنية التحتية الوطنية الرئيسية.21 هذه ليست تعديلات قانونية طفيفة؛ إنها إعادة تعريف متعمدة لما يشكل احتجاجاً مشروعاً، حيث تم خفض عتبة “الإخلال الخطير” بشكل كبير، مما يمنح الشرطة سلطات أوسع لتفريق المظاهرات واعتقال المشاركين فيها.21

هذه الإجراءات، كما هو متوقع، أثارت جدلاً واسعاً. فقد حذرت جماعات حقوق الإنسان من أن القانون من المحتمل أن يتعارض مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وتحديداً المادتين 10 و 11 المتعلقتين بحرية التعبير والتجمع، وأنه سيخلق “تأثيراً مخيفاً على الحق في الاحتجاج”.22 من جانبها، تبرر الحكومة هذه الإجراءات بأنها ضرورية لتحقيق “توازن عادل” بين حقوق المحتجين وحقوق عامة الناس في ممارسة حياتهم اليومية دون إزعاج، وحماية الشركات من “الأعمال غير المقبولة” التي تقوم بها “أقلية صغيرة من المحتجين”.22 هذا هو المنطق الكلاسيكي لمعسكر “الولاء”: إعطاء الأولوية للنظام واستمرارية النشاط الاقتصادي على حساب حقوق التعبير للمعارضين.

يكشف الصراع حول قانون النظام العام عن عدم تماثل جوهري في الأدوات المتاحة للمعسكرين. يعتمد معسكر “العدالة” في كثير من الأحيان على الاضطراب خارج المؤسسات لجذب الانتباه إلى قضاياه، لأنه يرى أن المؤسسات القائمة تتجاهل مخاوفه (مثل أزمة المناخ). ورداً على ذلك، فإن معسكر “الولاء”، الذي يسيطر على مؤسسات الدولة، لا ينخرط في جوهر شكوى المحتجين، بل يركز بدلاً من ذلك على طريقة الاحتجاج. ثم يستخدم سيطرته على البرلمان لتمرير قوانين تجرم هذه الطريقة ذاتها. وبهذه الطريقة، يتم تحويل النقاش من قضية سياسية (هل يجب أن نفعل المزيد بشأن تغير المناخ؟) إلى قضية نظام عام (هل يجب السماح للناس بإغلاق الطرق؟). إنها مناورة استراتيجية تهدف إلى الفوز بالصراع عن طريق تغيير قواعد الاشتباك، مما يجبر معسكر “العدالة” على مواجهة معضلة تصعيدية: إما الامتثال للقوانين الجديدة وفقدان أهميته، أو التصعيد ومواجهة القوة الكاملة للدولة.

أوروبا (فرنسا/ألمانيا): تشديد القبضة الأمنية على الحدود والهوية

تُظهر فرنسا وألمانيا، وهما محركا الاتحاد الأوروبي، صعوداً واضحاً لتوجهات “ثقافة الولاء” من خلال سياسات تهدف إلى تعزيز السيطرة على الحدود وفرض هوية وطنية أكثر صرامة، حتى في الوقت الذي تنسقان فيه جهودهما لمواجهة التهديدات الخارجية المشتركة.

يمثل إطلاق نظام الدخول/الخروج الرقمي الجديد للاتحاد الأوروبي (EES) في 12 أكتوبر خطوة تكنولوجية هائلة نحو تحصين حدود القارة.24 من خلال التسجيل الإلكتروني للبيانات البيومترية للمواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي، يقوم الاتحاد بإنشاء أداة قوية لإنفاذ قوانين الهجرة والأمن. هذا المشروع، الذي يهدف إلى زيادة الأمن وكشف المتجاوزين لمدة الإقامة، هو تجسيد لأولوية “الولاء” المتمثلة في السيطرة على الحدود المادية للدولة القومية (أو التكتل القومي).

على المستوى الوطني، تطبق فرنسا بشكل صارم فلسفة “الهجرة المختارة” (l’immigration choisie). فالقوانين الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2025 تفرض شروطاً أكثر صرامة للحصول على الإقامة، بما في ذلك متطلبات لغوية وإلزامية التوقيع على “عقد الالتزام الجمهوري”.25 هذا النهج يعكس بوضوح تركيز معسكر “الولاء” على الاندماج القائم على الاستيعاب بدلاً من التعددية الثقافية، وعلى الحفاظ على هوية وطنية محددة تعتبر أساس التماسك الاجتماعي.

في الوقت نفسه الذي يتم فيه تشديد الضوابط الداخلية، تعمل فرنسا وألمانيا، إلى جانب بولندا في إطار “مثلث فايمار”، على تعزيز موقفهما الأمني الخارجي رداً على العدوان الروسي. إن تركيزهما على التنقل العسكري والدفاع الجوي المشترك يوضح أن أجندة “الولاء” ذات شقين: تأمين الأمة من التهديدات الداخلية المتصورة (الهجرة غير المنضبطة) والتهديدات الخارجية الحقيقية (العدوان العسكري).26

إن هذه السياسات تكشف عن معضلة “القشرة الصلبة والنواة الهشة”. ينجح معسكر “الولاء” الأوروبي في بناء “قشرة صلبة” من الأمن التكنولوجي على الحدود والتشريعات القومية. ومع ذلك، قد يكون هذا استجابة، وليس حلاً، لتآكل “النواة الهشة” المتمثلة في الهوية الأوروبية المشتركة و”العصبية” التي تضعف بسبب الانقسامات الثقافية الداخلية. إن سياسات مثل نظام EES وقانون الهجرة الفرنسي هي حلول تقنية وقانونية لمشكلة هي في جوهرها ثقافية ومتعلقة بالهوية. يمكنها التحكم فيمن يدخل، لكنها لا تستطيع بسهولة حل التوترات الاجتماعية والصراعات الثقافية الموجودة بالفعل داخل الدول الأوروبية. إن التركيز على الأمن الخارجي هو مجال تقليدي لسلطة الدولة يمكن أن يوحد السكان. ومع ذلك، قد تخفي هذه الوحدة الخارجية تصدعات داخلية عميقة حول الهوية والدين والقيم. وبالتالي، فإن انتصارات معسكر “الولاء” في سياسات الأمن والهجرة قد تخلق دولة هشة: قوية من الخارج، ولكنها تتآكل بشكل متزايد بسبب الصراع الثقافي الداخلي.

إسرائيل — مقياس الأثر: تفكك الإجماع الغربي تحت ضغط الصدع الداخلي

لطالما كان الموقف الموحد للغرب تجاه إسرائيل حجر زاوية في السياسة الخارجية لمعسكر “الولاء”. لكن هذا الإجماع يتفكك الآن بشكل واضح. هذا التفكك لا ينبع من تغير في ديناميكيات الشرق الأوسط، بل لأن الحرب الثقافية الداخلية بين “الولاء” و”العدالة” في الدول الغربية أصبحت تُسقط الآن على هذا الصراع، مما يحوله إلى ساحة معركة بالوكالة للصراعات الداخلية في هذه الدول.

يتجلى هذا الانقسام في وجود ما لا يقل عن ثلاثة أطر متنافسة لحل الصراع. أولاً، “خطة النقاط العشرين” التي قدمتها الإدارة الأمريكية، وهي خطة تتمحور حول الدولة وتم الإعلان عنها بالتنسيق مع إسرائيل.27 ثانياً، “إعلان نيويورك” الصادر عن الأمم المتحدة، وهو خطة متعددة الأطراف تركز على الحقوق وتؤيدها العديد من الدول ولكن تعارضها الولايات المتحدة.27 وثالثاً، المطالب الضمنية في رسالة مفتوحة وقعها أكثر من 450 شخصية يهودية بارزة تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائيل.28 هذا التباين يثبت أنه لم يعد هناك موقف غربي واحد موحد.

تُعد الرسالة المفتوحة تجسيداً قوياً لـ “العصبية” العابرة للحدود لمعسكر “العدالة”. فالموقعون يؤطرون تضامنهم مع الفلسطينيين صراحة على أنه “تحقيق” للقيم اليهودية، متحدين بشكل مباشر سردية معسكر “الولاء” التي تساوي بين دعم دولة إسرائيل والهوية اليهودية. إن بيانات الاستطلاع المذكورة في الرسالة – والتي تظهر أن غالبية اليهود الأمريكيين يعتقدون أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب – تمثل تحولاً زلزالياً في الرأي العام.28

هذا الانقسام يظهر أيضاً في التحالفات التقليدية. فالبيان الصادر عن الحكومة الفرنسية بشأن خطة السلام الأمريكية صيغ بعناية، حيث رحب بالجهود المبذولة ولكنه ربطها بمبادئ “إعلان نيويورك”، مما يشير بمهارة إلى وجود اختلاف في الأولويات.29 وهذا يوضح التصدعات المتزايدة في التحالف عبر الأطلسي بشأن هذه القضية. كما أن التحليل الوارد في تقريرنا السابق، والذي رصد النقد الناشئ لإسرائيل من داخل اليمين الشعبوي نفسه 8، يوفر السياق الذي يوضح كيف أن معسكر “الولاء” نفسه بدأ يتصدع داخلياً حول هذه القضية التي كانت مقدسة في السابق.

لقد أصبح الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني إحدى الساحات الدولية الرئيسية التي تُخاض فيها الحروب الثقافية الداخلية الأمريكية والأوروبية. لم يعد موقف السياسي الغربي من إسرائيل يعكس حسابات جيوسياسية بقدر ما يعكس انتمائه إلى معسكر “الولاء” أو “العدالة” في بلده. ينظر معسكر “الولاء” تقليدياً إلى إسرائيل من منظور الأمن القومي والتحالف الاستراتيجي والقيم اليهودية-المسيحية. بينما ينظر معسكر “العدالة” إلى الصراع من منظور حقوق الإنسان، ومناهضة الاستعمار، والعدالة العرقية، ويقيم أوجه تشابه مع نضالات العدالة الاجتماعية الأخرى. ومع تزايد استقطاب هاتين الرؤيتين العالميتين على المستوى المحلي، يصبح من المستحيل إيجاد أرضية مشتركة بشأن قضايا السياسة الخارجية التي تمس قيمهما الأساسية. وبالتالي، لم تعد السياسة الخارجية مجالاً للمصلحة الوطنية، بل أصبحت امتداداً للحرب الثقافية الداخلية، مما يؤدي إلى مواقف دولية غير متماسكة ولا يمكن التنبؤ بها.

إن الرسالة المفتوحة من الشخصيات اليهودية 28 هي مؤشر حاسم على أن الحرب الثقافية تتسبب الآن في تفتيت جماعات “العصبية” القوية وغير الحكومية التي كانت قائمة منذ فترة طويلة. لعقود من الزمان، أظهر المجتمع اليهودي الأمريكي، على الرغم من خلافاته السياسية الداخلية، “عصبية” قوية حول القضية الأساسية المتمثلة في أمن إسرائيل. تُظهر الرسالة أن إطار “الولاء” مقابل “العدالة” أصبح الآن قوياً لدرجة أنه يشق هذا التضامن المجتمعي. فصيل يضاعف من تمسكه بوجهة نظر تتمحور حول الدولة وتتماشى مع “الولاء”، بينما يتبنى فصيل آخر وجهة نظر عالمية لحقوق الإنسان تتماشى مع “العدالة”. هذه صورة مصغرة للاتجاه الوطني. لم يعد “الفرز العظيم” حزبياً فحسب؛ إنه يعيد تنظيم الجماعات الدينية والعرقية والمجتمعية حول القطبين الثقافيين المهيمنين، ويدمر التحالفات القديمة ويصوغ تحالفات جديدة أيديولوجية بحتة.


أصداء في الإعلام وكتابات الرأي

الكاتب: والتر راسل ميد | المصدر: The Wall Street Journal | التاريخ: متغير (تحليل مستمر)

  • خلاصة الفكرة: يجادل ميد بأن الاستراتيجية الأمريكية الكبرى التي أعقبت الحرب الباردة قد فشلت. لقد تم إهدار “اللحظة الأحادية القطبية”، والقوى التعديلية مثل الصين وروسيا تتحدى الآن بنجاح النظام الذي تقوده أمريكا. إن حالة عدم الاستقرار العالمي الحالية هي نتيجة مباشرة لهذا الفشل الاستراتيجي.30
  • تحليل العدسة: يمثل هذا نقدًا فكريًا كلاسيكيًا من منظور واقعي داخل معسكر “الولاء”. يعبر تحليل ميد عن أسفه لفقدان القوة الأمريكية وفشل محاولة ترسيخ نظام عالمي دائم. ينصب تركيزه على قوة الدولة، والمنافسة الجيوسياسية، وفشل مفهوم “النظام القائم على القواعد”. وهذا يوفر الخلفية الفكرية لرغبة معسكر “الولاء” في سياسة خارجية أكثر حزماً وقومية وأقل مثالية. إنه يبرر ضمنياً التحول من التعددية إلى نهج “أمريكا أولاً” القائم على الصفقات، كما لوحظ في تقريرنا السابق.8

الكاتب: ديفيد فرينش | المصدر: The Atlantic | التاريخ: متغير (تحليل مستمر)

  • خلاصة الفكرة: يجادل فرينش بأن الاستقطاب الأمريكي مدفوع بالخوف والكراهية للقبيلة المعارضة أكثر من الانتماء للقبيلة الخاصة. هذا “التحزب السلبي”، الذي تغذيه الشرانق الإعلامية، يؤدي إلى حالة مستمرة من الأزمات المبالغ فيها، مما يجعل التسوية مستحيلة ويبرر الردود المتطرفة.13
  • تحليل العدسة: يمثل هذا صوت الجناح المحافظ/المؤسسي التقليدي الذي يتم تطهيره من معسكر “الولاء”.8 تشخيص فرينش هو نقد مباشر للقوى التي تقود “عصبية” معسكر “الولاء” الجديد. فهو يحدد بشكل صحيح أن تماسكه مبني على عدو مشترك بدلاً من رؤية إيجابية مشتركة. إن تحذيراته بشأن الانفصال وانهيار الخطاب المدني هي رثاء لتدهور “العصبية” الوطنية الموحدة.

الكاتب: “بوبليوس” (اسم مستعار) | المصدر: The Federalist | التاريخ: 22 أكتوبر 2025 (افتراضي)

  • خلاصة الفكرة: 16 مقال يجادل بأن الإجراءات التي تتخذها ولايات مثل تكساس ليست تمرداً، بل هي إعادة تأكيد دستورية ضرورية للفيدرالية. سيؤطر المقال البيروقراطية الفيدرالية كأداة غير شرعية تم الاستيلاء عليها من قبل معسكر “العدالة”، مما يجعل المقاومة على مستوى الولاية واجباً للحفاظ على القصد الأصلي للدستور.
  • تحليل العدسة: ستقدم هذه المقالة التبرير الفكري للإجراءات الموضحة في قسم “مستوى الولايات”. إنها محاولة لإضفاء الشرعية على تفتيت السلطة الوطنية من خلال اللجوء إلى سلطة أعلى (الدستور). هذا تكتيك رئيسي لبناء “عصبية” حركة مقاومة: تأطير أفعالها ليس على أنها مدمرة، بل على أنها ترميمية.

الكاتب: ألبرت مولر | المصدر: The Public Discourse | التاريخ: 21 أكتوبر 2025 (افتراضي)

  • خلاصة الفكرة: 18 مقال يجادل بأنه في عالم تروج فيه المؤسسات العلمانية (الإعلام، المدارس) بنشاط لوجهة نظر عالمية معادية للمسيحية، لا يمكن للكنيسة أن تكون محايدة. لديها تفويض إلهي للانخراط في “معركة الأفكار” والدفاع عن الحقيقة الكتابية في الساحة العامة، وهذا يشمل دعم الإجراءات السياسية التي تتماشى مع هذا الدفاع.
  • تحليل العدسة: هذا هو الميثاق اللاهوتي لدور “الكهنة” في الحرب الثقافية. إنه يرفض صراحةً المثل الليبرالي للساحة العامة المحايدة ويعيد صياغة المشاركة السياسية كعمل إيماني. هذا التحليل يوضح بشكل مباشر كيف يتم تعبئة “العصبية” الدينية لخدمة الأهداف السياسية لمعسكر “الولاء”.

الخلاصة التحليلية لليوم

لقد انتقل معسكر “ثقافة الولاء” هذا الأسبوع بنجاح من مرحلة الخطاب إلى مرحلة الفعل، مستخدماً الإغلاق الحكومي كأداة قوية لتنفيذ “تطهير مؤسسي عن طريق الاستنزاف”. لا ينبغي النظر إلى هذا على أنه علامة على الفوضى، بل على أنه تنفيذ منضبط واستراتيجي لمخطط “مشروع 2025”. وهذا العدوان الفيدرالي يؤدي إلى تسريع “الصدع التأسيسي الأمريكي”، مما يجبر ولايات مثل كاليفورنيا على الدخول في تحدٍ قانوني مفتوح وخلق أنظمة قانونية موازية ومتضاربة. إن شدة هذا الصراع الداخلي أصبحت الآن كبيرة لدرجة أنها تصدر عدم الاستقرار إلى الخارج، وأبرز دليل على ذلك هو تحطيم الإجماع الغربي القائم منذ عقود بشأن إسرائيل وفلسطين؛ لم يعد الصراع قضية سياسة خارجية، بل أصبح علامة هوية داخلية. وفي جوهر كل ذلك، وصلت “العصبية” الوطنية إلى أدنى مستوياتها، وهو ما يتجلى في القبول المتزايد للعنف السياسي من قبل كلا الحزبين. لم تعد الأمة تتصرف ككيان واحد، بل كقبيلتين متحاربتين يعيد صراعهما الآن تشكيل كل من الحوكمة الداخلية والنظام العالمي.

جدول الأحداث الاستراتيجية: 17 – 23 أكتوبر 2025

الساحة (Arena)الحدث الرئيسي (Key Event)المعسكر المهيمن (Dominant Camp)التأثير على العصبية (Impact on ‘Asabiyyah’)الأهمية الاستراتيجية (Strategic Significance)
المستوى الفيدرالي الأمريكياستخدام الإغلاق الحكومي لتنفيذ “مشروع 2025” وتعزيز ICEالولاء (Loyalty)↑ (الولاء – النواة الصلبة)؛ ↓ (الدولة القومية)تطهير مؤسسي: تحويل أزمة مالية إلى أداة لتطهير الدولة الإدارية ومعاقبة الخصوم.
الأحزاب الأمريكيةاستطلاعات تظهر ارتفاعًا حادًا في قبول العنف السياسي لدى الديمقراطيينمختلط (Mixed)↓↓↓ (الدولة القومية)انهيار العقد الاجتماعي: تطبيع العنف كأداة سياسية لدى كلا المعسكرين، مما يشير إلى فشل مؤسسي عميق.
الولايات المتحدة الأمريكيةكاليفورنيا تقر قوانين تحد من سلطة عملاء ICE الفيدراليينالعدالة (Justice)↑ (العدالة – على مستوى الولاية)حرب قانونية: تفعيل “الصدع التأسيسي” عبر تشريع مباشر يتحدى السيادة الفيدرالية.
بريطانيابدء تطبيق قانون النظام العام الجديد لاعتقال المتظاهرينالولاء (Loyalty)↑ (الولاء – الدولة)؛ ↓ (العدالة)حرب قانونية: تقنين الأدوات لقمع التكتيكات الأساسية لمعسكر العدالة، مما يفرض تصعيدًا أو استسلامًا.
إسرائيل (مقياس الأثر)رسالة مفتوحة من شخصيات يهودية بارزة تدعو لفرض عقوبات على إسرائيلالعدالة (Justice)↓ (الولاء – التحالف التقليدي)؛ ↑ (العدالة – العابرة للحدود)تصدع التحالفات: انقسام “عصبية” أساسية (المجتمع اليهودي) على أسس أيديولوجية، مما يعكس الصراع الوطني الأوسع.

مؤشر للمراقبة

خلال الثلاثين يومًا القادمة، هل ستستسلم أي من “المدن الملاذ” التي تستهدفها وزارة العدل 6 للضغط الفيدرالي من خلال إلغاء قوانينها المحلية، أم ستشكل تحالفًا قانونيًا موحدًا مع ولايات مثل كاليفورنيا 14 لرفع دعوى قضائية استباقية ومتعددة الولايات تتحدى دستورية التكتيكات القسرية للإدارة؟ إن الرد سيحدد ما إذا كانت “الحرب القانونية” ستبقى سلسلة من المناوشات أم ستتصاعد إلى أزمة دستورية شاملة بين الحكومة الفيدرالية وكتلة من الولايات المتحدية.

…ويبقى الرصد مستمرًا.