إذا كان بيرني ساندرز هو من أشعل شرارة “الثورة السياسية”، فإن ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز (المعروفة بـ AOC) هي اللهب الذي حمل هذه الشرارة إلى قلب واشنطن. هي لا تمثل مجرد سياسية تقدمية، بل هي تجسيد لجيل جديد، وتكتيكات جديدة، ورؤية جديدة لليسار الأمريكي. فهم AOC هو فهم لكيفية تحول “الطوفان الثقافي” من حركة احتجاج إلى قوة تشريعية فاعلة.
1. اللمحة التاريخية والمهنية: من نادلة إلى نجمة سياسية
قصة صعود AOC هي بحد ذاتها جزء أساسي من قوتها السردية:
- قصة “من الشعب”: تأتي من خلفية متواضعة من الطبقة العاملة في حي برونكس بنيويورك. قبل ترشحها للكونغرس، كانت تعمل نادلة. هذه القصة تمنحها “أصالة” ومصداقية هائلة كشخص “من الشعب وإلى الشعب”، على عكس السياسيين التقليديين.
- زلزال 2018: اللحظة التي غيرت كل شيء كانت فوزها المفاجئ في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عام 2018 على جو كراولي، الذي كان أحد أقوى الرجال في الحزب ورئيس التجمع الديمقراطي في مجلس النواب. كان هذا الفوز بمثابة زلزال سياسي أثبت أن “الثورة” التي دعا إليها ساندرز قادرة على اختراق حصون المؤسسة الحزبية وهزيمتها.
- قائدة “الفرقة”: فور وصولها إلى الكونغرس، أصبحت الوجه الأبرز لمجموعة من النائبات التقدميات الجديدات (معظمهن من النساء الملونات) اللواتي أطلق عليهن الإعلام اسم “الفرقة” (The Squad). هذا عزز مكانتها كقائدة لتيار جديد وجذري داخل الحزب.
2. القدرات الاستراتيجية: “إتقان حرب العصر الرقمي”
قوة AOC الاستراتيجية لا تكمن في خبرتها التشريعية، بل في قدرتها الفائقة على استخدام أدوات العصر:
- إتقان الإعلام الاجتماعي: هي “سياسية رقمية” بامتياز. تستخدم منصات مثل “إنستغرام” و”تويتش” و”إكس” ليس فقط لنشر بيانات، بل لإزالة الغموض عن السياسة وبناء علاقة شخصية مع جمهورها. هي تبث مباشرة من مطبخها، وتجيب على أسئلة المتابعين، وتحول جلسات الاستماع المملة في الكونغرس إلى لحظات درامية تنتشر كالنار في الهشيم.
- ترجمة الاحتجاج إلى سياسة: هي بارعة في أخذ المطالب العامة للحركة التقدمية (مثل العدالة المناخية) وتحويلها إلى مشاريع سياسية لها اسم جذاب، وأهمها مشروع “الصفقة الخضراء الجديدة” (Green New Deal). هي تمنح الحركة هدفاً تشريعياً واضحاً تناضل من أجله.
3. الخلفية العقدية: “الجيل الجديد من الاشتراكية الديمقراطية”
عقيدة AOC هي امتداد وتطوير لأفكار ساندرز، لكن مع بصمة جيلها:
- الاشتراكية الديمقراطية: تتبنى نفس الأفكار الأساسية لساندرز (رعاية صحية للجميع، تعليم مجاني، إلخ).
- التقاطعية (Intersectionality): تضيف AOC إلى التحليل الطبقي لساندرز بعداً آخر، وهو “التقاطعية”. هي ترى أن الظلم ليس اقتصادياً فقط، بل هو تقاطع بين الطبقة والعرق والجنس. سرديتها هي: “النظام ليس فقط مزوراً لصالح الأغنياء، بل هو مزور أيضاً لصالح البيض والرجال”. هذا يجعل خطابها أكثر جذباً لجمهور شاب ومتنوع.
4. مفكرة أم سياسية أم بوق؟ “النجمة التشريعية”
AOC هي مزيج فريد من كل هذه الأدوار، لكن يمكن وصفها بشكل أدق بأنها “النجمة التشريعية” (The Legislative Star) و”صوت الجيل” لـ “معسكر العدالة”.
- دورها: على عكس ساندرز (الأب الروحي) أو تشنك أويغر (الإعلامي الخارجي)، فإن ساحة معركة AOC الرئيسية هي داخل الكونغرس. مهمتها هي نقل “الطوفان” من الشارع إلى قاعات التشريع، وخوض المواجهات المباشرة مع الخصوم في جلسات الاستماع، وفضحهم أمام الكاميرات.
الخلاصة: تمثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز أنجح محاولة حتى الآن لترجمة طاقة “الطوفان الثقافي” التقدمي إلى قوة سياسية فعلية داخل مؤسسات الحكم. هي الدليل على أن “الثورة” لم تعد تطرق الأبواب، بل أصبحت تجلس على طاولة صنع القرار.