لكل مجتمعٍ “عقد اجتماعي”
وهو اتفاقٌ ضمني غير مكتوب يحدد علاقة الفرد بالمجتمع والدولة. في مجتمعاتنا، قامت عقودنا السابقة على أسس مثل “الدولة الراعية” التي توفر الرزق والأمان مقابل الولاء والانتماء. لكن تحديات القرن الواحد والعشرين، من عولمة ثقافية، وثورات تقنية، وأزمات بيئية، جعلت هذه العقود القديمة غير كافية لمواجهة تعقيدات الحاضر والمستقبل.
لقد حان الوقت لنفكر بوعي في صياغة “عقد اجتماعي جديد”، لا يلغي ما قبله، بل يبني عليه ويتجاوزه. عقدٌ لا نكون فيه مجرد متلقين، بل مشاركين فاعلين في صناعته.
ولا يمكن لأي تنمية أن تكون مستدامة إذا بُنيت على أساسٍ ثقافي هش أو مستورد. أساس عقدنا الجديد يجب أن يكون ثقافتنا الأصيلة بعد تفعيلها وتنشيطها لمواجهة تحديات العصر.
وهذا العقد الاجتماعي الجديد له أعمدة رئيسية استعرضناها في رحلتنا:
- عمود المبادرة الفردية: ينتقل فيه الفرد من دور “الشاكي” السلبي إلى دور “المبادر” الفاعل، مدركًا أنه “راعٍ” ومسؤول في دائرته.
- عمود التكافل المجتمعي: تتطور فيه “الفزعة” العفوية لتصبح عملاً مؤسسيًا منظمًا، يشارك فيه الرجل والمرأة في نسج شبكات الأمان الاجتماعي.
- عمود الضمير الاقتصادي: يتحول فيه السوق من ساحة للمنافسة الشرسة إلى فضاء لـ “اقتصاد الإحسان”، حيث “البركة” و”السمعة الطيبة” هما رأس المال الحقيقي في ظل العقد الاجتماعي الجديد.
- عمود الثقة المتبادلة: تُبنى فيه العلاقة بين المؤسسات والمجتمع على “الشورى” و”الوضوح” و”حفظ الكرامة”، فتصبح المشاريع “مشروعنا” جميعًا.
هذه الأعمدة الثقافية هي التربة الخصبة التي إن صلحت، صلح كل ما يُبنى فوقها. هذا العقد العظيم ليس مهمة شخص واحد أو جهة واحدة. إنه مسؤولية تكاملية، يشارك في “صناعتها” كل فرد في المجتمع.
خاتمة: صناعةٌ لا تنتهي
في الختام، ندرك أن “التوازن” الذي يسعى إليه العقد الاجتماعي الجديد ليس حالة نهائية نصل إليها ثم نرتاح. بل هو جهد يومي دؤوب يتطلب وعيًا وصبرًا وحكمة، تمامًا كالصانع الماهر الذي يظل يراقب ميزانه ويعدّل أوزانه مع كل تغيير يطرأ.
لقد وهبنا الله ثقافةً غنية وقيمًا خالدة، ومنحنا القدرة على الاختيار والفعل. المستقبل ليس قدرًا محتومًا ينتظرنا، بل هو بناءٌ نصنعه بأيدينا اليوم. وهذا “العقد الاجتماعي الجديد”، الذي ثقافته أساسه وتنميته بنيانه، هو دعوتنا المفتوحة لنكون جميعًا، رجالًا ونساءً، شبابًا وشيبًا، صنّاعًا ماهرين لمستقبلٍ أكثر توازنًا وعدلًا وجمالًا. مستقبلٍ يشبهنا، ونفخر بأن نورثه لمن سيأتي بعدنا.