الملخص التنفيذي

شهد الأسبوع الماضي تحولًا في الصراع من المواجهة الخطابية إلى مرحلة الضغط المؤسسي المباشر، حيث تمحورت الأحداث حول السيطرة على السردية والمؤسسات التعليمية. استخدم معسكر “ثقافة الولاء” أدوات السلطة الفيدرالية، خاصة النفوذ المالي، لفرض الانضباط الأيديولوجي على الجامعات، بينما حصّن معسكر “ثقافة العدالة” مواقعه عبر تشريعات على مستوى الولايات تهدف إلى حماية السرديات الشاملة في المناهج الدراسية، مما يعمق الانقسام ويحول الفصول الدراسية إلى ساحة رئيسية للصراع على هوية أمريكا المستقبلية.


مصفوفة الصراع الأسبوعية: جبهة التعليم والسردية

الجبهة (Front)الحدث الرئيسيالمعسكر الفاعل (ولاء/عدالة)المؤشر التحليليالأثر على “العصبية”
الأوساط الأكاديميةالبيت الأبيض يربط التمويل الفيدرالي للجامعات بالسيطرة على “الخطاب المعادي لأمريكا”.الولاءتطهير مؤسسي (بالإكراه المالي) ولاء: فرض الانضباط الأيديولوجي على معاقل “العدالة”. عدالة: تهديد مباشر لاستقلالية وموارد المؤسسات الأكاديمية.
الولايات (التعليم)كاليفورنيا تطبق قانون AB 1078 لحماية المناهج الشاملة ومنع حظر الكتب.العدالةحرب قانونية (مضادة) عدالة: تحصين “العصبية” التقدمية على مستوى الولاية ضد التوجهات الوطنية. ولاء: تعبئة مضادة ضد ما يعتبر “تجاوزًا” من الولايات.
الأحزاب (التعليم)الحزب الديمقراطي يكثف استراتيجيته لاستهداف مجالس المدارس المحافظة.العدالةتطهير مؤسسي (على المستوى المحلي) عدالة: حشد القاعدة الشعبية حول قضية التعليم العام. ولاء: تعزيز سردية “حقوق الآباء” كرد فعل.
“كهنة” اليمين الأمريكيألبرت مولر يحلل “الانحدار التعليمي الكبير” ويهاجم نماذج التعليم اليسارية.الولاءحرب سرديات (لاهوتية) ولاء: توفير غطاء لاهوتي للصراع على التعليم وتعبئة القاعدة الدينية.

رصد الساحة الأمريكية: الصراع على عقول الجيل القادم

لم تعد المؤسسات التعليمية مجرد أماكن لنقل المعرفة، بل أصبحت الساحة الرئيسية التي يتشكل فيها مستقبل السردية الوطنية. لقد أدرك كلا المعسكرين أن السيطرة على الفصول الدراسية والمناهج اليوم تعني السيطرة على المشهد السياسي والثقافي غدًا.

المستوى الفيدرالي: استخدام النفوذ المالي لفرض الانضباط الأيديولوجي

انتقل الصراع على التعليم هذا الأسبوع من النقاشات الثقافية إلى استخدام أدوات السلطة الفيدرالية بشكل مباشر، في خطوة تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الأكاديمي ليتوافق مع رؤية “ثقافة الولاء”.

الحدث: البيت الأبيض يربط التمويل الفيدرالي للجامعات بالسيطرة على الخطاب

أعلن البيت الأبيض عن مراجعة شاملة للمنح الفيدرالية المخصصة للأبحاث في جامعات النخبة، وربط استمراريتها بمدى سيطرة هذه الجامعات على ما وصفه بـ”الخطاب المعادي لأمريكا” في حرمها الجامعي.1

  • التحليل: يمثل هذا الإجراء “تسليحًا” للتمويل الأكاديمي، وتحويله من أداة لدعم البحث العلمي إلى أداة إكراه لفرض الانضباط الأيديولوجي. هذه الخطوة هي تطبيق مباشر لمبادئ “مشروع 2025″، الذي يرى أن المؤسسات الأكاديمية هي “بؤر للدعاية المستيقظة” (woke propaganda) ويقترح إما إغلاق وزارة التعليم أو استخدام نفوذها لفرض أجندة “الولاء”.2 من خلال تهديد الموارد المالية للجامعات، التي تُعتبر معاقل رئيسية لـ”ثقافة العدالة”، يسعى معسكر “الولاء” إلى تنفيذ “تطهير مؤسسي” ليس عبر الإقالات المباشرة، بل عبر الضغط المالي الذي يجبر هذه المؤسسات على مواءمة سياساتها مع متطلبات السلطة التنفيذية.1 هذا يعزز “عصبية” معسكر الولاء من خلال إظهار قدرته على معاقبة خصومه المؤسسيين، بينما يضعف “عصبية” معسكر العدالة من خلال تهديد استقلاليته وموارده.

مستوى الأحزاب: الصراع ينتقل إلى مجالس المدارس المحلية

امتد الصراع على السردية التعليمية إلى المستوى الشعبي، حيث بدأ كلا الحزبين في استثمار موارد كبيرة في انتخابات مجالس إدارات المدارس المحلية، مدركين أن هذه الهيئات هي خط المواجهة الأول في تحديد المناهج والسياسات التعليمية.

الحدث: الحزب الديمقراطي يكثف استراتيجيته لاستهداف مجالس المدارس المحافظة

يستثمر الحزب الديمقراطي ولجنة حملته الوطنية (DNC) موارد غير مسبوقة لمواجهة المكاسب المحافظة في انتخابات مجالس إدارات المدارس. تركز الاستراتيجية على تصوير المجموعات المحافظة على أنها “متطرفة” وتشكل تهديدًا للتعليم العام، مع التركيز على قضايا تمويل المدارس التي تحظى بشعبية واسعة.3

  • التحليل: هذه هي الهجمة المرتدة لـ”ثقافة العدالة” على المستوى الأكثر جوهرية في عملية التنشئة الثقافية. تحرك الديمقراطيين يعكس إدراكًا بأن الحرب ليست وطنية فحسب، بل هي حرب محلية تدور رحاها في كل مجتمع. هذه الاستراتيجية تهدف إلى حشد قاعدة “العدالة” (نقابات المعلمين، الآباء التقدميون) وتفتيت تحالف “الولاء” في الضواحي من خلال التركيز على قضية تمويل المدارس العامة الشعبية.

مستوى الولايات: بناء الحصون التشريعية التعليمية

في مواجهة الضغط الفيدرالي وحركة “حقوق الآباء” التي يقودها معسكر “الولاء”، تستخدم الولايات التي تسيطر عليها “ثقافة العدالة” سلطاتها التشريعية لإنشاء “حصون قانونية” تهدف إلى حماية مناهجها وسردياتها.

الحدث: كاليفورنيا تبدأ بتطبيق قانون AB 1078 لمواجهة حظر الكتب

بدأت المناطق التعليمية في كاليفورنيا بتطبيق قانون AB 1078، الذي يمنع مجالس المدارس من حظر الكتب والمواد التعليمية على أساس أنها تتضمن وجهات نظر متنوعة وشاملة، بما في ذلك مساهمات الأقليات العرقية ومجتمع الميم.

  • التحليل: يمثل هذا القانون هجومًا مضادًا مباشرًا من “ثقافة العدالة” على المستوى المحلي. فبينما يستخدم معسكر “الولاء” السلطة الفيدرالية للضغط من الأعلى، تستخدم كاليفورنيا سلطة الولاية لتحصين مؤسساتها من الأسفل. القانون لا يمنع الحظر فحسب، بل ينشئ آلية عقابية، حيث يمكن للمسؤولين على مستوى الولاية التدخل وفرض غرامات مالية على المناطق التي لا تمتثل.5 هذا الإجراء يقوي “عصبية” معسكر العدالة داخل الولاية، ويقدم نموذجًا تشريعيًا للولايات الأخرى التي تسعى لمقاومة حركة “الولاء”. هذا يعمق “بلقنة” التعليم الأمريكي، حيث يصبح ما هو إلزامي في فصول تكساس محميًا بموجب القانون في كاليفورنيا، والعكس صحيح.6

“كهنة” اليمين الأمريكي: تأطير الصراع على التعليم كمعركة روحية

يقوم القادة الدينيون والمفكرون في معسكر “الولاء” بدور حاسم في توفير الإطار الأخلاقي واللاهوتي للصراع على التعليم، محولين الخلافات حول المناهج إلى معركة وجودية من أجل “الحقيقة”.

الحدث: ألبرت مولر يحلل “الانحدار التعليمي الكبير”

في حلقة حديثة من برنامجه “The Briefing”، تناول الدكتور ألبرت مولر ما وصفه بـ “الانحدار التعليمي الكبير” في الولايات المتحدة، مستشهدًا ببيانات تظهر اتساع الفجوة في الأداء بين الطلاب. وقد ربط هذا التدهور مباشرة بما أسماه “هجوم اليسار على نموذج التعليم الناجح في ميسيسيبي”، الذي يفتقر إلى نقابات المعلمين القوية.

  • التحليل: هذا مثال نموذجي على كيفية قيام “كهنة” اليمين بتأطير الصراع على التعليم. يتم ربط مشكلة معقدة (تدهور الأداء التعليمي) مباشرة بأحد الخصوم الأيديولوجيين الرئيسيين لـ”ثقافة الولاء” (نقابات المعلمين). يتم تقديم الحل ليس كإصلاح تربوي، بل كضرورة أيديولوجية: كسر قوة النقابات التي يُنظر إليها على أنها جزء من البنية التحتية لـ”ثقافة العدالة”. هذا الخطاب يقوي “العصبية” المحافظة من خلال تقديم عدو واضح وحل بسيط، ويضفي على الصراع طابعًا أخلاقيًا، حيث يتم تصويره كمعركة لإنقاذ الأطفال من نظام “فاشل” و”مسيّس”.

رصد الساحات الدولية

بريطانيا وأوروبا: الجامعات كساحة صراع عالمية

يمتد الصراع على السردية داخل المؤسسات الأكاديمية إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة، حيث أصبحت الجامعات الأوروبية أيضًا ساحة رئيسية للاحتجاجات والتعبئة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الدولية التي تثير انقسامًا حادًا.

  • التحليل: شهدت الجامعات في بريطانيا وألمانيا احتجاجات واسعة النطاق مؤيدة للفلسطينيين، حيث طالب المتظاهرون مؤسساتهم بقطع العلاقات الأكاديمية والمالية مع إسرائيل.9 هذه التحركات، التي غالبًا ما تواجه بقمع من السلطات 11 أو قوانين تقييدية مثل “قانون النظام العام” في بريطانيا 12، تظهر كيف أن الجامعات أصبحت ساحة عالمية لتفعيل “عصبية” “ثقافة العدالة” العابرة للحدود. إنها تثبت أن الصراع على السردية داخل الأوساط الأكاديمية ليس ظاهرة أمريكية بحتة، بل هو جزء من حركة عالمية أوسع.

إسرائيل (مقياس الأثر): تدويل الصراع الأكاديمي

تظل قضية إسرائيل وفلسطين هي “مقياس الأثر” الأكثر حساسية، حيث تكشف عن مدى نجاح كل معسكر في فرض سرديته على المؤسسات الدولية.

  • التحليل: إن الضغط المتزايد على الجامعات في جميع أنحاء العالم لقطع علاقاتها مع إسرائيل، والذي بلغ ذروته في رسالة مفتوحة وقعها أكثر من 450 شخصية يهودية بارزة تدعو إلى فرض عقوبات 14، يوضح كيف نجحت “ثقافة العدالة” في تحويل قضية جيوسياسية إلى قضية أخلاقية عالمية. هذا الضغط يجبر المؤسسات الأكاديمية، التي تعتبر نفسها حامية للقيم العالمية، على اتخاذ مواقف تتعارض مع السياسات الخارجية التقليدية لحكوماتها، مما يضعها في صدام مباشر مع معسكر “الولاء” الذي يرى في هذه التحركات تهديدًا للأمن القومي والتحالفات الاستراتيجية.

أصداء في الإعلام وكتابات الرأي

الكاتبالمصدرخلاصة الفكرةتحليل العدسة
روس دوثاتThe New York Timesيحلل “حرب الإدارة على جامعات النخبة”، مشيرًا إلى أنها تستهدف “تمجيد الضحية” في التعليم العالي، وهو ما يعكس صراعًا أعمق حول القيم والسرديات في المجتمع.15منظور “الولاء” المؤسسي النقدي: يقر دوثات بوجود مشكلة أيديولوجية في الجامعات، لكنه قد يحذر من أن استخدام القوة الفيدرالية الفجة لمعالجتها يمكن أن يأتي بنتائج عكسية ويدمر النزاهة المؤسسية.
عامThe Nationيجادل بأن الهجوم على الحرية الأكاديمية يتصاعد في الجامعات الأمريكية وخارجها، حيث يتعرض أعضاء هيئة التدريس للترهيب والفصل بسبب آرائهم السياسية، خاصة فيما يتعلق بفلسطين.16منظور “العدالة” المؤسسية: يصور هذا التحليل إجراءات “ثقافة الولاء” على أنها هجوم استبدادي على حرية الفكر والتعبير، ويهدف إلى حشد “عصبية” المدافعين عن الحقوق المدنية والحرية الأكاديمية.
عامThe Federalistيدعو إلى إصلاح جذري للتعليم المدني، مع التركيز على دراسة المصادر الأولية مثل “الأوراق الفيدرالية” بدلاً من المناهج الثانوية “المسيّسة”.19منظور “الولاء” الدستوري: يقدم حجة مفادها أن التعليم الحالي قد انحرف عن المبادئ التأسيسية، وأن الحل يكمن في العودة إلى النصوص الأصلية التي شكلت الجمهورية، مما يوفر أساسًا فكريًا لمقاومة المناهج الحديثة.
ألبرت مولرThe Briefing16 أكتوبر 2025يربط “الانحدار التعليمي الكبير” في أمريكا بـ “هجوم اليسار” على نماذج التعليم الناجحة، ويصور الصراع على أنه معركة لإنقاذ الأطفال من نظام فاشل أيديولوجيًا.منظور “الكهنة”: يرفع الصراع على السياسات التعليمية إلى مستوى الالتزام الروحي، ويبرر الإجراءات السياسية كواجب ديني للدفاع عن الأجيال القادمة من “الأيديولوجيات العلمانية”.

الخلاصة التحليلية للأسبوع

الخيط الناظم الذي يربط أحداث الأسبوع الماضي هو مأسسة الصراع على السردية من خلال السيطرة على المؤسسات التعليمية. لقد تجاوز الصراع مرحلة النقاشات العامة ليصبح مواجهة مباشرة تُستخدم فيها أدوات السلطة. يستخدم معسكر “الولاء” النفوذ المالي الفيدرالي كأداة لفرض رؤيته من الأعلى، مهددًا استقلالية الجامعات التي يعتبرها معاقل لـ”ثقافة العدالة”. وفي المقابل، يستخدم معسكر “العدالة” السلطة التشريعية على مستوى الولايات لبناء حصون قانونية تحمي مناهجه وقيمه من الأسفل.

هذه الديناميكية تفعّل “الصدع التأسيسي الأمريكي” 1 في ساحة جديدة وحاسمة. لم يعد الصراع يدور فقط حول حقوق الولايات في مواجهة السلطة الفيدرالية في مجالات مثل الهجرة أو التنظيم البيئي، بل امتد الآن ليشمل الحق في تحديد المعرفة والقيم التي يتم نقلها إلى الجيل القادم. هذا يجعل الصراع أكثر عمقًا وخطورة، لأن كل طرف يرى في النظام التعليمي للطرف الآخر تهديدًا وجوديًا لمستقبله. ونتيجة لذلك، تتقوى “العصبية” داخل كل معسكر، بينما تتآكل “العصبية” الوطنية الجامعة التي تعتمد على وجود سردية تاريخية وقيم مشتركة، وهو ما لم يعد قائمًا.

مؤشر للمراقبة

بعد إعلان البيت الأبيض عن مراجعة التمويل الفيدرالي للجامعات، هل سنشهد خلال الأشهر المقبلة قيام تحالف من الولايات التي تسيطر عليها “ثقافة العدالة”، بقيادة كاليفورنيا، برفع دعوى قضائية استباقية ضد الإدارة الفيدرالية بحجة أن ربط التمويل بالخطاب السياسي ينتهك التعديل الأول للدستور ومبادئ الحرية الأكاديمية؟ مثل هذه الخطوة ستنقل الصراع من التهديد الإداري إلى مواجهة قضائية كبرى.

…ويبقى الرصد مستمرًا.