إذا كان ساندرز هو “الأب الروحي” و AOC هي “النجمة السياسية”، فإن حسن بيكر (المعروف بلقب HasanAbi) هو “صوت الجيل الرقمي” (Gen Z) بامتياز. هو لا يمثل مجرد مؤثر آخر، بل يمثل تحولاً جذرياً في كيفية استهلاك السياسة وتشكيل الوعي. فهم ظاهرة حسن بيكر هو فهم لكيفية وصول “الطوفان الثقافي” إلى أكثر المساحات حميمية وغير متوقعة: عالم الألعاب والبث المباشر.
1. اللمحة التاريخية والمهنية: من استوديو الأخبار إلى منصة “تويتش”
مسيرة بيكر هي قصة هجر الإعلام التقليدي واحتضان الإعلام الجديد بالكامل:
- البدايات في TYT: بدأ حسن بيكر، وهو ابن شقيق تشنك أويغر، مسيرته في شبكة “ذا يونغ توركس” (TYT). لقد تعلم فن التعليق السياسي الشعبوي في قلب هذه المؤسسة الإعلامية المتمردة.
- الانتقال الاستراتيجي: الخطوة العبقرية في مسيرته كانت إدراكه أن مستقبل الوصول إلى الشباب ليس في “يوتيوب” فقط، بل في منصة “تويتش” (Twitch)، التي كانت تعتبر تاريخياً منصة مخصصة لبث ألعاب الفيديو فقط.
- بناء الإمبراطورية: على “تويتش”، لم يقم بيكر بإنشاء برنامج إخباري، بل خلق تجربة تفاعلية. هو يبث لساعات طويلة يومياً، يناقش الأخبار العاجلة، ويعلق على مقاطع الفيديو، ويناظر خصومه، كل ذلك وهو يتفاعل بشكل مباشر وفوري مع آلاف المشاهدين في غرفة الدردشة. لقد حول السياسة من “محاضرة” إلى “حوار” فوضوي ومستمر.
2. القدرات الاستراتيجية: “إتقان لغة الجيل”
قوة حسن بيكر لا تأتي من التحليل العميق، بل من قدرته الفريدة على “التواصل بلغة الجيل الرقمي”:
- الأصالة والمصداقية: على عكس السياسيين والإعلاميين التقليديين، يظهر بيكر كشخص “حقيقي” وغير مصطنع. أسلوبه الساخر والعاطفي والغاضب أحياناً يجعله يبدو كـ”صديق” يتحدث مع متابعيه، وليس كمعلق محترف.
- تسييس الترفيه: عبقريته تكمن في قدرته على دمج التعليق السياسي الجاد مع ثقافة الإنترنت والترفيه. هو يحلل حرباً في الشرق الأوسط، ثم ينتقل للتعليق على برنامج تلفزيوني أو لعبة فيديو. هذا يزيل الحاجز النفسي الذي يمنع الكثير من الشباب من الاهتمام بالسياسة.
- بناء المجتمع: قناته ليست مجرد بث، بل هي “مجتمع” (Community) رقمي. المتابعون لا يشاهدون فقط، بل يشاركون في النقاش، ويشعرون بالانتماء إلى حركة أكبر منهم.
3. الخلفية العقدية: “الاشتراكية غير المعتذرة”
إذا كان ساندرز يقدم “الاشتراكية الديمقراطية” بطريقة مقبولة للمؤسسة، فإن بيكر يقدم “اشتراكية غير معتذرة” (Unapologetic Socialism).
- سرديته: “الرأسمالية نظام فاشل بطبيعته، وهو مصمم لاستغلال الطبقة العاملة. الحل ليس في إصلاحه، بل في تجاوزه. الإمبريالية الأمريكية هي أصل الشرور في العالم”.
- مواقفه: هو أكثر جذرية بكثير من معظم السياسيين التقدميين. مواقفه المناهضة بشدة للإمبريالية ولإسرائيل، ودعمه الصريح للحركات الثورية حول العالم، تجعله يمثل الجناح الأكثر تطرفاً في “معسكر العدالة”.
4. مفكر أم سياسي أم بوق؟ “المؤثر الرقمي”
حسن بيكر ليس مفكراً ولا سياسياً. إنه يمثل دوراً جديداً بالكامل، وهو دور “المؤثر السياسي الرقمي” (The Digital Political Influencer).
- دوره: هو “بوابة” السياسة لجيل كامل هجر التلفاز والصحف بالكامل. هو لا يكتفي بتقديم الأخبار، بل يعلم جمهوره كيف يفكر في هذه الأخبار، ويمنحهم إطاراً أخلاقياً وسياسياً لتحليل العالم. هو يمثل وصول “الطوفان الثقافي” إلى مرحلته النهائية: مرحلة تشكيل وعي الجيل الذي سيحكم المستقبل، ليس في قاعات المحاضرات، بل في غرف نومهم.
الخلاصة: يمثل حسن بيكر ذروة “نزع الوساطة” الإعلامية. إنه يثبت أن القوة الأكثر تأثيراً في تشكيل وعي الجيل القادم لم تعد في يد “نيويورك تايمز” أو “سي إن إن”، بل أصبحت في يد شاب يجلس أمام كاميرا ويب ويتحدث بصدق وغضب عن عالم يراه فاسداً.