يرصد محللون إعلاميون وسياسيون ظاهرة متصاعدة في المشهد السياسي الغربي، تتمثل في استخدام السخرية والمحتوى البصري القصير، أو ما يعرف بـ “الميم” (Meme)، كسلاح فعال في الصراع السياسي. لم تعد هذه الظاهرة مجرد ترفيه عابر، بل تحولت إلى تكتيك مؤثر في “حرب الوعي”، قادر على تشكيل الرأي العام وتحدي السرديات الرسمية بسرعة وكفاءة لم تكن ممكنة في عصر الإعلام التقليدي. وقد سلطت الأحداث الأخيرة، مثل رد الفعل الجماهيري على خطاب للمستشار السابق جاريد كوشنر، الضوء على قوة هذا الشكل الجديد من النقد.


آلية العمل: المواجهة عبر “المفارقة البصرية”
تعتمد هذه الظاهرة، التي يصفها البعض بـ “حرب الميم”، على آلية بسيطة وفعالة. تبدأ العملية برصد تصريح لشخصية عامة يبدو منفصلاً عن الواقع الملموس أو متناقضاً معه. بعد ذلك، يتم أخذ هذا التصريح ودمجه في محتوى بصري -صورة أو مقطع فيديو- يبرز هذا التناقض بشكل صارخ وساخر. وأخيراً، يتم نشر هذا المحتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي، مصحوباً بوسم (هاشتاغ) بسيط ولاذع، مما يسهل انتشاره السريع ويوحد الحملة النقدية.
يشير محللو الإعلام إلى أن قوة هذا التكتيك تكمن في قدرته على تجاوز النقاشات العقلانية المعقدة وإحداث تأثير عاطفي فوري، مما يجعله أكثر قابلية للمشاركة والانتشار بين قطاعات واسعة من الجمهور.

دراسات حالة حديثة
كان رد الفعل على خطاب جاريد كوشنر ،بالأمس، مثالاً واضحاً على هذه الظاهرة. فبعد وصفه للأفعال العسكرية الإسرائيلية بأنها “استثنائية” وتعبير عن “القيم”، انتشرت موجة هائلة من “الميمز” التي تقابل كلماته بصور للدمار في غزة، تحت وسوم ساخرة مثل #KushnerValues.. وبلغ انتشارها ما يزيد عن 300 مليون مشاهدة.
وهذا النمط ليس بجديد. يرصد المحللون أوجه تشابه مع حوادث أخرى، مثل ما حدث خلال فترة رئاسة الوزراء القصيرة لـ ليز تراس في بريطانيا، حيث تحول “ميم” يقارن بين بقائها في السلطة وعمر رأس من الخس إلى رمز عالمي لانعدام الكفاءة السياسية، وألحق بسلطتها ضرراً قد يفوق ما أحدثته التحليلات السياسية التقليدية.

الأثر الاستراتيجي ودور الشباب
يرى محللون استراتيجيون أن الهدف الأساسي من “حرب الميم” ليس الدخول في نقاش حول السياسات، بل هو “نزع الشرعية عبر السخرية”. إنها تهدف إلى إظهار الشخصيات المستهدفة بمظهر العبثية أو الانفصال عن الواقع، لدرجة يفقدون معها هيبتهم واحترامهم.
وتشير الدراسات الديموغرافية إلى أن هذه الظاهرة منتشرة بشكل خاص بين الأجيال الشابة، وتحديداً “الجيل الرقمي” (Gen Z). فقدرة هذا الجيل على استخدام لغة السخرية والتواصل البصري، مقترنة بتشكك عميق في السلطة والمؤسسات التقليدية، تجعلهم المنتجين والجمهور الرئيسي لهذا النوع من المحتوى.


الخلاصة: في المحصلة، يمثل صعود “حرب الميم الساخرة” تحولاً مهماً في طبيعة الاتصال السياسي. إنه يشير إلى انتقال السلطة في تشكيل السرديات من المؤسسات الكبرى إلى شبكات لا مركزية من الأفراد. إن قدرة هذه الحملات على تقويض الروايات الرسمية لشخصيات نافذة في غضون ساعات، تطرح تحدياً جديداً ومعقداً للمؤسسات السياسية والقيادات في العصر الرقمي.

مصنَّف ضمن:

التحليلات,