تقرير تحليلي

مقدمة: حدث الانكسار – فوز ممداني كـ “تغيير بحري”

في 4 نوفمبر 2025، شهدت مدينة نيويورك حدثًا سياسيًا يُعد بمثابة زلزال انتخابي، حيث تم انتخاب زهران ممداني، عضو جمعية الولاية البالغ من العمر 34 عامًا، ليكون رئيس البلدية القادم.1 لم يكن هذا الفوز عاديًا بأي مقياس؛ فممداني هو أول مسلم يُنتخب لهذا المنصب 4، وأول اشتراكي ديمقراطي معلن 2، وأصغر عمدة للمدينة منذ أكثر من قرن.2

تغطي الفترة الزمنية الممتدة من 13 أكتوبر إلى 13 نوفمبر 2025 ذروة المواجهة الانتخابية 5 والتداعيات الفورية التي أعقبت النصر.7 يهدف هذا التقرير إلى الاستجابة للطلب المحدد بتحليل مدى تأثير هذا الحدث على “كتلة المجتمع اليهودي”.

التحليل الأساسي الذي يقدمه هذا التقرير هو أن انتخاب زهران ممداني أثبت بشكل قاطع أن “كتلة” يهودية موحدة لم تعد موجودة كقوة سياسية متماسكة في نيويورك، إن كانت موجودة أصلاً.9 بدلاً من ذلك، عملت حملة ممداني وفوزه كـ “حدث انكسار” (Fissure Event)، كاشفًا ومضخمًا لانقسام أيديولوجي وأجيالي عميق كان يختمر داخل المجتمع. لقد وضع هذا الفوز المجتمع اليهودي الأكبر في “مياه مجهولة” 11، حيث تحطمت الافتراضات القديمة حول الإجماع السياسي.

الأهمية الحقيقية لفوز ممداني تكمن في أنه كسر “حق النقض” (الفيتو) غير المعلن الذي طالما احتفظت به المؤسسات اليهودية التقليدية على السياسة البلدية، والذي كان يتطلب تاريخيًا من المرشحين إظهار دعم لا لبس فيه لإسرائيل.11 إن فوز مرشح مؤيد صراحة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) 12، هو بحد ذاته إعلان عن نهاية حقبة الإجماع هذه.14

الفصل الأول: المرشح والولاية – تعريف سياق الصراع

كانت هوية زهران ممداني المتعددة الأوجه مركزية في الصراع. لم يكن مجرد مرشح، بل كان رمزًا لـ “نيويورك الجديدة”.1 هويته كاشتراكي ديمقراطي 2، ومسلم 4، ومهاجر من أوغندا 4 من أصل هندي 15، ومناهض صريح للرأسمالية 16، سمحت له ببناء تحالف جديد يركز على “الطبقة العاملة” 1 و “المهاجرين”.4 لقد تحدى صراحة “المال الكبير” 1 و “الأثرياء وذوي النفوذ”.19

جاءت ولاية ممداني واضحة وحاسمة. لقد فاز بنسبة 50.4% من الأصوات في سباق ثلاثي 1، متغلبًا على الحاكم السابق أندرو كومو (41.6%) والجمهوري كيرتيس سليوا (7.1%).3 هذا الفوز بأغلبية مطلقة 1، مدفوعًا بإقبال قياسي للشباب 20 وإجمالي إقبال هو الأعلى منذ عام 1969 1، منحه “ولاية” لا لبس فيها.16 كانت هذه الولاية موجهة بشكل أساسي نحو “أجندة القدرة على تحمل التكاليف” 1، والتي تضمنت وعودًا بتجميد الإيجارات، وتوفير رعاية أطفال مجانية، ونقل عام مجاني.21

كان خطاب النصر الذي ألقاه ممداني في 4 نوفمبر بمثابة إعلان نوايا أيديولوجي. وصفه النقاد، مثل صحيفة واشنطن بوست، بأنه خطاب “حرب طبقية” غاضب ومثير للانقسام، يحدد “أعداء طبقيين”.16 في المقابل، رآه أنصاره، وحتى كاتب خطابه، “رسالة حب لنيويورك” 15، مستلهمًا من شخصيات تاريخية مثل يوجين ديبس وفيوريلو لا غوارديا.1

إن المعارضة الشرسة التي واجهها ممداني من “المال الكبير” 1 و “أصحاب المليارات” 24، بما في ذلك شخصيات بارزة مثل بيل أكمان ومايكل بلومبرغ 24، هي ذاتها في كثير من الأحيان القاعدة القيادية والتمويلية للمؤسسات اليهودية الكبرى. هذا التداخل الحاسم يعني أن رد فعل المؤسسة اليهودية لم يكن مدفوعًا فقط بالقلق على إسرائيل؛ لقد كان أيضًا دفاعًا عن النظام الاقتصادي والسياسي القائم الذي أعلن ممداني صراحة استهدافه. هذا يفسر شراسة رد الفعل، ليس فقط كدفاع عن السياسة الخارجية، ولكن كدفاع طبقي وأيديولوجي.

الفصل الثاني: نقطة الانهيار – مواقف ممداني كـ “خطر” أيديولوجي

لم تكن معارضة المؤسسة اليهودية لممداني غامضة، بل كانت تستند إلى مواقف محددة شكلت جوهر القلق:

  1. دعم حركة المقاطعة (BDS): وُصف ممداني بأنه “أكثر مرشح دعمًا لحركة مقاطعة إسرائيل” يفوز بمنصب سياسي أمريكي كبير.12
  2. الخطاب النقدي: كان استخدامه لمصطلحات مثل “الإبادة الجماعية” لوصف الحرب في غزة 26 ورفضه الاعتراف بإسرائيل كـ “دولة يهودية” 28 نقاطًا مركزية في الهجوم عليه.
  3. “عولمة الانتفاضة”: أثار رفضه إدانة عبارة “عولمة الانتفاضة” قلقًا شديدًا، واعتبرته هالي سوفر، الرئيسة التنفيذية لمجلس الديمقراطيين اليهود في أمريكا (JDCA)، “غير مقبول”.29
  4. التحليل الأيديولوجي: تبنى ممداني ما وصفه مركز القدس للشؤون العامة بـ “تحالف أحمر-أخضر” (Red-Green) 17، يربط النضال الفلسطيني بالخطاب الماركسي، ويزعم وجود صلة بين “حذاء شرطة نيويورك” و “الجيش الإسرائيلي”.17

في مواجهة هذا النقد، لم يتراجع ممداني.14 بدلاً من ذلك، اتبع استراتيجية لإعادة صياغة نقده لإسرائيل كجزء من نضال “عالمي” من أجل “القيم العالمية لحقوق الإنسان”.26 في مناظرة شهيرة داخل كنيس يهودي، عندما اتهمه خصمه بـ “الهوس” بإسرائيل، رد ممداني بأنه ينتقد أيضًا انتهاكات حقوق الإنسان في الهند (ضد المسلمين) وفي روسيا، وأنه يستشهد بمؤرخين إسرائيليين لدعم مواقفه.26

في المقابل، كانت الهجمات المضادة في الأسابيع الأخيرة من الحملة، بما في ذلك الفترة المحددة بين 13 أكتوبر و 13 نوفمبر، شرسة وذات طابع إسلاموفوبي واضح. تضمنت هذه الهجمات إعلانًا تلفزيونيًا لـ Super PAC مؤيد لكومو يظهر ممداني أمام برجي مركز التجارة العالمي وهما ينهاران في 11 سبتمبر 4، بالإضافة إلى منشورات انتخابية قامت عمدًا “بتثخين وتكبير” لحيته ليبدو “أكثر تهديدًا”.4

أدت هذه الهجمات الإسلاموفوبية المبتذلة إلى نتائج عكسية. لقد أجبرت منظمات صهيونية ليبرالية، مثل “جي ستريت” (J Street)، على مواجهة معضلة أخلاقية: الاختيار بين مرشح يختلفون معه جذريًا حول إسرائيل (ممداني)، أو مرشح يستخدم “الخوف والانقسام والإسلاموفوبيا” (كومو).25 وكما أظهرت ردود أفعالهم 31، فإن التزامهم بالديمقراطية الليبرالية متعددة الأعراق دفعهم إلى إدانة تكتيكات كومو، مما أدى فعليًا إلى كسر جبهة “المعارضة اليهودية الموحدة” لممداني.

الفصل الثالث: تفكيك “الكتلة” – تحليل بيانات التصويت اليهودي (4 نوفمبر)

يقدم هذا الفصل التحليل الكمي الذي يدعم الأطروحة المركزية للتقرير: “الكتلة اليهودية” لم تصوت ككتلة واحدة. البيانات تظهر انقسامًا حادًا.

أظهرت استطلاعات الخروج التي أجرتها شبكة CNN انقسامًا بنسبة 2 إلى 1 تقريبًا ضد ممداني بين الناخبين اليهود بشكل عام.32 حصل أندرو كومو على 63% من أصوات اليهود، بينما حصل ممداني على 33%، وحصل كيرتيس سليوا على 3%.13

للوهلة الأولى، يبدو أن “الكتلة اليهودية” قد رفضته. لكن تحليلًا أعمق للبيانات يكشف أن هذا “المتوسط” يخفي حقيقة وجود “كتلتين” متعارضتين تمامًا:

  1. الكتلة الأرثوذكسية/الحسيدية: كانت هذه كتلة حقيقية ومتماسكة صوتت بشكل ساحق ضد ممداني. في أحياء مثل ويليامزبيرغ وبورو بارك، صوتت الدوائر الانتخابية بنسب تتراوح بين 90% إلى 96% لصالح أندرو كومو.32
  2. كتلة الشباب/التقدميين: كان هذا هو المفتاح لفهم نسبة 33% التي حصل عليها ممداني. فاز ممداني بنسبة 78% من إجمالي الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا.20 وبشكل أكثر تحديدًا، فاز بنسبة 66% من “الشباب البيض” (White Youth) 20، وهي فئة ديموغرافية تعد وكيلًا قويًا لليهود العلمانيين والتقدميين في أحياء بروكلين ومانهاتن.

الجدول التالي يوضح هذا الانقسام الحاد:

الجدول 1: تفكيك التصويت اليهودي في انتخابات عمدة نيويورك 2025

الشريحة الديموغرافيةالنسبة المئوية لممداني (يسار)النسبة المئوية لكومو (وسط)النسبة المئوية لسليوا (يمين)المصدر (المصادر)
إجمالي الناخبين اليهود33%63%3%32
الناخبون الشباب (18-29) (وكيل عام)78%18%4%20
الشباب البيض (18-29) (وكيل أدق)66%30%4%20
الدوائر الحسيدية (ويليامزبيرغ)~5-10% (مستنتج)~90-96%ضئيل32
استطلاع ما قبل الانتخابات (29 أكتوبر)16%60%12%32

تكشف هذه البيانات عن استنتاجين حاسمين:

أولاً، المقارنة بين استطلاع 29 أكتوبر (16% لممداني) 32 واستطلاع يوم الانتخابات (33%) 32 تشير إلى “موجة متأخرة” لصالح ممداني بين الناخبين اليهود. يُحتمل أن تكون هذه الموجة مدفوعة برد فعل عكسي على الهجمات الإسلاموفوبية الشديدة في الأسبوع الأخير من الحملة 4، مما دفع الصهاينة الليبراليين المترددين إلى اعتباره “أهون الشرين”.

ثانيًا، وهو الأهم، تظهر البيانات أن الانقسام داخل اليهود الأمريكيين ليس مجرد انقسام “ديني”، بل هو انقسام أجيالي عميق.10 الناخبون اليهود الشباب 20 يتبنون سياسات ممداني التقدمية ويعطون الأولوية للعدالة الاقتصادية والاجتماعية على السياسة التقليدية المتعلقة بإسرائيل، وهو ما يرفضه آباؤهم وأجدادهم.

الفصل الرابع: رد فعل المؤسسة – “لحظة قاتمة” و “مرصد ممداني” (5 نوفمبر – 13 نوفمبر)

كان رد فعل المؤسسة اليهودية الراسخة على انتخاب زهران ممداني فوريًا، وعدائيًا، ومنسقًا. وصفت منظمات يهودية كبرى فوز ممداني بأنه “لحظة قاتمة”.9

في 4 نوفمبر، أصدر تحالف من المنظمات الرئيسية (UJA-Federation, JCRC-NY, ADL, AJC, New York Board of Rabbis) بيانًا مشتركًا.35 كان البيان حذرًا ولكنه مليء بالتحذيرات، حيث ذكر: “لا يمكننا تجاهل أن العمدة المنتخب يحمل معتقدات أساسية تتعارض بشكل جوهري مع أعمق قناعات مجتمعنا”.35 وتعهد البيان بـ “محاسبة جميع المسؤولين المنتخبين، بما في ذلك العمدة المنتخب ممداني، بشكل كامل”.35

دراسة حالة: “مرصد ممداني” (Mamdani Monitor)

في خطوة غير مسبوقة وذات دلالات عميقة، صعّدت رابطة مكافحة التشهير (ADL) هذا الموقف. في غضون ساعات من إعلان فوز ممداني 9، أعلن جوناثان غرينبلات، الرئيس التنفيذي للرابطة، عن إطلاق “مرصد ممداني” (Mamdani Monitor).7في خطوة تكشف عمق القلق من تأثير انتخاب زهران ممداني على موازين القوة التقليدية.

عرّف غرينبلات هذه المبادرة بأنها “متتبع عام” (public tracker) مصمم لرصد “السياسات” و “تعيينات الموظفين” (personnel appointments) 13 التي تعتبرها ADL “تهديدًا للأمن اليهودي”.13

استند غرينبلات في تبريره لهذا الإجراء إلى:

  • دعم ممداني المعلن لحركة المقاطعة (BDS).13
  • “اللغة المعادية للسامية التي روج لها”.13
  • “المتطرفون المعادون للسامية الذين يُعرف بارتباطه بهم”.13
  • “خطابه السابق حول الجيش الإسرائيلي”.13

كان التصريح الأكثر كشفًا هو قوله: “نحن قلقون للغاية بشأن ما يمكن أن تنذر به السنوات الأربع القادمة… هذا العمدة لن يساندنا”.13

يكشف هذا الإجراء عن ديناميكية أعمق تتجاوز مجرد الرصد. إنه تحول من منظمة “مراقبة” مدنية إلى “معارضة” سياسية نشطة.9 فمع فوز ممداني بدعم ثلث الناخبين اليهود 32 والتأييد النشط من منظمات يهودية تقدمية مثل (Jews for Racial & Economic Justice – JFREJ) 37، لم يعد بإمكان المؤسسة التقليدية، ممثلة في ADL، الادعاء بالتحدث الحصري باسم “المجتمع اليهودي”.

لذلك، يمكن تفسير “المرصد” ليس فقط كأداة لمكافحة معاداة السامية، ولكن كآلية سياسية استباقية لنزع الشرعية عن هذا التحالف اليهودي التقدمي. من خلال تحديد “الأمن اليهودي” بشكل ضيق ليشمل “الحفاظ على شراكات شرطة نيويورك مع جهود مكافحة الإرهاب الإسرائيلية” 13، سعت ADL إلى إعادة تأطير النقاش وتهميش الأصوات اليهودية التي ساهمت في فوز ممداني.

الفصل الخامس: التحالف المضاد – “الائتلاف اليساري-الليبرالي” اليهودي (5 نوفمبر – 13 نوفمبر)

لم يمر إعلان “مرصد ممداني” دون رد فعل مضاد، وجاء هذا الرد من داخل المجتمع اليهودي نفسه، كاشفًا عن عمق الانقسام.

في 12 نوفمبر، أدان تحالف من المنظمات اليهودية التقدمية (بما في ذلك IfNotNow, Bend the Arc, J Street NYC, JFREJ, و New York Jewish Agenda) رابطة ADL بقوة.8 كانت اللغة المستخدمة صادمة في حدتها، حيث وصفت هذه المنظمات مبادرة ADL بأنها “هجمات إسلاموفوبية وعنصرية” (Islamophobic and racist).8 جاء في بيانهم: “نرفض الاتهامات الكاذبة بمعاداة السامية ضد الأبطال التقدميين من السود والملونين والمسلمين”.8

كانت اللحظة الأكثر أهمية من الناحية السوسيولوجية هي انضمام منظمة “جي ستريت” (J Street)، وهي منظمة صهيونية ليبرالية، إلى هذا التحالف المناهض لـ ADL.39 انتقد جيريمي بن عامي، رئيس J Street، بيانات ADL ووصفها بأنها “نشر للذعر” (fearmongering) و “مبالغ فيها” (overblown).9 ودعا بن عامي، بدلاً من ذلك، إلى “الانخراط البناء مع العمدة المنتخب، وليس بث الذعر أو شيطنته”.9

قدمت مجلة “جويش كارنتس” (Jewish Currents) التقدمية التحليل الأكثر عمقًا لهذه الظاهرة. جادلت المجلة بأن القصة الحقيقية لم تكن معارضة الصهاينة الليبراليين لممداني، بل دعمهم له.30 لقد نجح ممداني في صياغة “ائتلاف يساري-ليبرالي” 30 غير مسبوق. كان هذا ممكنًا، أولاً، لأن البديل (كومو) انخرط في “تعصب صارخ ضد المسلمين” 30، وثانيًا، لأن ممداني نجح في صياغة نقده لإسرائيل بلغة “ليبرالية وعالمية” تركز على “الحقوق المتساوية”.26 وقد وجد الصهاينة الليبراليون، الذين يشعرون بـ “الاغتراب” المتزايد عن حكومة إسرائيل اليمينية، أن هذا الخطاب أكثر قبولاً من تعصب كومو.

يمثل هذا إعادة تنظيم سياسي كبرى. إن تحالف J Street (الصهيونية الليبرالية) مع IfNotNow (المناهضة للاحتلال) 39 ضد ADL (المؤسسة) 39 هو الانقسام الجديد. لقد تم استبدال خط الصدع القديم (صهيوني مقابل مناهض للصهيونية) بخط صدع جديد: (المؤسسة الصهيونية + اليمين الأرثوذكسي) مقابل (التقدميون المناهضون للصهيونية + الصهاينة الليبراليون المناهضون للتعصب). لقد أجبر انتخاب ممداني هذا التحالف الجديد على الظهور للعلن.

خاتمة: ما بعد الإجماع – مستقبل السياسة اليهودية في نيويورك

إن الفترة من 13 أكتوبر إلى 13 نوفمبر 2025 لم تكن مجرد انتخابات بلدية، بل كانت استفتاءً قسريًا على هوية ومستقبل المجتمع اليهودي في نيويورك. لم يكن “التأثير” على “الكتلة اليهودية” موحدًا؛ بل كان “تأثير” انشطاري، كسر وهم “الكتلة” الموحدة وكشف عن فصيلين متصارعين:

  1. فصيل “الأمن والمؤسسة” (يمثل 63% من الأصوات): يضم هذا الفصيل اليهود الأرثوذكس 32، والمؤسسات الراسخة (ADL, UJA) 35، والصهاينة المحافظين. يرى هذا الفصيل ممداني كـ “خطر وجودي” 11 بسبب مواقفه من إسرائيل.27 رد فعلهم هو العزل والمساءلة، كما يتجلى في “مرصد ممداني”.13
  2. فصيل “العدالة والتقدم” (يمثل 33% من الأصوات): يضم هذا الفصيل اليهود الشباب 10، والمنظمات التقدمية (JFREJ, IfNotNow) 38، والصهاينة الليبراليين (J Street).39 يرى هذا الفصيل ممداني كـ “فرصة تاريخية” لبناء تحالفات متعددة الأعراق تركز على العدالة الاقتصادية.22 رد فعلهم هو الانخراط والدفاع.9

التأثير الأكثر ديمومة لانتخاب زهران ممداني على المجتمع اليهودي هو أنه أجبر هذه الانقسامات الداخلية العميقة على الظهور في العلن. لقد أثبت أنه يمكن لمرشح مؤيد صراحة لفلسطين أن يفوز في نيويورك 14، مما يحطم أسطورة القوة التي لا تقهر لـ “اللوبي المؤيد لإسرائيل”.42 والأهم من ذلك، أن الصراع بين ADL والتحالف التقدمي 8 ليس صراعًا عابرًا، بل هو يمثل المعركة الأجيالية 34 حول تعريف “معاداة السامية” ومستقبل الهوية السياسية اليهودية في عاصمة الشتات.

ولمزيد من التعمّق في قراءة التحولات الداخلية داخل المجتمع اليهودي الأمريكي، وما إذا كان الانقسام الذي كشفه انتخاب زهران ممداني امتدادًا لاتجاه أوسع على المستوى الوطني، يمكن الرجوع إلى التقرير التحليلي للفترة 16–30 أكتوبر 2025 حول “الرصد البنيوي للكتلة اليهودية في المجتمع الأمريكي”